فَكَانَ أَوْلَى، وَعَلَى هَذَا نَقُولُ: مَهْمَا ثَبَتَ كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً فِي بَعْضِ الْمَعَانِي لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا فِيمَا عَدَاهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَعْنًى مُشْتَرَكٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ أُلِفَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُمْ إِذَا اسْتَعْمَلُوا لَفْظًا بِإِزَاءِ مَعْنًى أَطْلَقُوهُ إِطْلَاقًا، وَإِذَا اسْتَعْمَلُوهُ بِإِزَاءِ غَيْرِهِ قَرَنُوا بِهِ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيمَا أَطْلَقُوهُ مَجَازًا فِي الْغَيْرِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ وَضْعَ الْكَلَامِ لِلْمَعْنَى إِنَّمَا كَانَ لِيُكْتَفَى بِهِ فِي الدَّلَالَةِ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ لِكَوْنِهَا أَغْلَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِي مَعْنًى، وَلِذَلِكَ الْمَعْنَى مُتَعَلَّقٌ فَإِطْلَاقُهُ بِإِزَاءِ مَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الْمُتَعَلَّقُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَجَازًا فِيهِ، كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْإِيجَادِ فَإِنَّ لَهَا مَقْدُورًا، وَإِطْلَاقُهَا عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ فِي قَوْلِهِمْ: " انْظُرْ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ " لَا مَقْدُورَ لَهَا.
فَإِنْ قِيلَ: التَّعَلُّقُ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ كَوْنِ اللَّفْظِ حَقِيقِيًّا بَلْ مِنْ تَوَابِعِ الْمُسَمَّى، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ اخْتِلَافِ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ الِاسْمُ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً أَنْ يَكُونَ مَجَازًا فِي الْآخَرِ لِجَوَازِ الِاشْتِرَاكِ، فَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى مِمَّا يُتَوَقَّفُ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ عَلَى تَعَلُّقِهِ بِمُسَمَّى ذَلِكَ الِاسْمِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَا كَذَلِكَ بِالْعَكْسِ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ مَجَازٌ وَالْآخِرَ غَيْرُ مَجَازٍ.
وَتَشْتَرِكُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فِي امْتِنَاعِ اتِّصَافِ أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ بِهِمَا كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا، وَالْمَجَازُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا. وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي كَوْنَ الِاسْمِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فِي وَضْعِ اللُّغَةِ مَوْضُوعًا لِشَيْءٍ قَبْلَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ فِي وَضْعِ اللُّغَةِ، وَأَسْمَاءُ الْأَعْلَامِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مُسْتَعْمِلَهَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا فِيمَا وَضَعَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ لَهُ أَوَّلًا، وَلَا فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ وَضْعِهِمْ، فَلَا تَكُونُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute