للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ نَظَرِيٌّ مُكْتَسَبٌ، فَلَا مَانِعَ مِنَ اسْتِوَاءِ جَمِيعِ أَخْبَارِ التَّوَاتُرِ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ.

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِوَاءُ جَمِيعِ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِي ذَلِكَ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ تَأْثِيرَاتِ الْأَدِلَّةِ فِي النُّفُوسِ بِحَسَبِ الْمُؤَثِّرِ، وَلَا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ؛ وَإِنْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْعَدَالَةِ، سِوَى تَرَجُّحِ صِدْقِهِ عَلَى كَذِبِهِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ.

وَهَذِهِ الْحُجَّةُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهَا يَرْجِعُ إِلَى مَحْضِ الدَّعْوَى فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَهِيَ مُقَابَلَةٌ بِمِثْلِهَا، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْخَصْمُ: وَأَنَا أَجِدُ فِي نَفْسَيِ الْعِلْمَ بِذَلِكَ.

وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرُ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعِلْمَ، لَمَا رُوعِيَ فِيهِ شَرْطُ الْإِسْلَامِ وَالْعَدَالَةِ كَمَا فِي خَبَرِ التَّوَاتُرِ.

وَحَاصِلُ هَذِهِ الْحُجَّةِ أَيْضًا يَرْجِعُ إِلَى التَّمْثِيلِ، مُفِيدٌ لِلْيَقِينِ. ثُمَّ مَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ الْعِلْمِ عِنْدَهُ إِنْ قِيلَ إِنَّ الْعِلْمَ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ ضَرُورِيٌّ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي خَلْقِهِ عِنْدَ خَبَرِ مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَلَا عَدْلٍ، أَوْ أَنْ يَكُونَ التَّوَاتُرُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَوَاتُرٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ، إِنْ قِيلَ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ كَسْبِيٌّ، وَخَبَرُ مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَلَا عَدْلٍ غَيْرُ مُشْتَمِلٍ عَلَى ذَلِكَ.

وَالْمُعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعُ حُجَجٍ:

الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرُ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ بِمُجَرَّدِهِ، فَلَوْ أَخْبَرَ ثِقَةٌ آخَرُ بِضِدِّ خَبَرِهِ، فَإِنْ قُلْنَا خَبَرُ كُلِّ وَاحِدٍ يَكُونُ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ وَبِنَقِيضِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ.

وَإِنْ قُلْنَا خَبَرُ أَحَدِهِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ دُونَ الْآخَرِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، ضَرُورَةَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعَدَالَةِ وَالْخَبَرِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا، فَلَمْ يَحْصُلِ الْعِلْمُ بِخَبَرِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّعْيِينِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا جَرَّدْنَا النَّظَرَ إِلَيْهِ، كَانَ خَبَرُهُ غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْعِلْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ هُوَ خَبَرَ الْآخَرِ.

كَيْفَ وَأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يُقَالَ بِحُصُولِ الْعِلْمِ بِخَبَرِهِ، دُونَ خَبَرِ الْآخَرِ (١) .


(١) لِمَنْ يَرَى إِفَادَةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعِلْمَ أَنْ يَقُولَ هَذَا مُجَرَّدُ فَرْضٍ، فَإِنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَمْنَعُ مِنْ إِخْبَارِ عَدْلٍ آخَرَ بِضِدِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الثِّقَةُ الْأَوَّلُ، إِلَّا فِي مِثْلِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَإِنْ جَازَ ذَلِكَ عَقَلًا، وَقَدْ سَبَقَ لِلْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ ذَكَرَ لِلْمَانِعِينَ مِنْ إِفَادَةِ الْمُتَوَاتِرِ الْعِلْمَ مِثْلَ هَذِهِ الْحُجَّةِ وَرَدِّهَا، وَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي خَبَرِ الْآحَادِ الْمُحْتَفِّ بِالْقَرَائِنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>