للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْأَخْبَارِ.

كَيْفَ وَالْمَنْقُولُ عَنْهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ عُمَرُ: (لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ ( «حَتَّى رَوَى لَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ، فَانْتَهَيْنَا» ) وَكَذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنْهُمْ مِنْ رُجُوعِهِمْ إِلَى خَبَرِ عَائِشَةَ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَجِدُّهُمْ فِي طَلَبِ الْأَخْبَارِ وَالسُّؤَالُ عَنْهَا عِنْدَ وُقُوعِ الْوَقَائِعِ دَلِيلُ الْعَمَلِ بِهَا.

وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ عَمَلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، بَلِ الْأَكْثَرِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْهُمْ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ عَنِ النَّكِيرِ دَلِيلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ.

وَمَا رَوَوْهُ (١) مِنَ الْأَخْبَارِ أَوْ تَوَقَّفُوا فِيهِ إِنَّمَا كَانَ لِأُمُورٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ مِنْ وُجُودِ مُعَارِضٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ، لَا لِعَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا فِي جِنْسِهَا، مَعَ كَوْنِهِمْ مُتَّفِقِينَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا.

وَلِهَذَا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ ظَوَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حُجَّةٌ، وَإِنْ جَازَ تَرْكُهَا وَالتَّوَقُّفُ فِيهَا لِأُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهَا.

وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إِنَّمَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِصِدْقِهِ، أَنْ لَوْ لَمْ يَكُونُوا مُتَعَبِّدِينَ بِاتِّبَاعِ الظَّنِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بِدَلِيلِ تَعَبُّدِهِمْ بِاتِّبَاعِ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَالْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا يَأْتِي.

وَإِذَا كَانَ اتِّبَاعُهُمْ لِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لِكَوْنِهِ ظَنِّيًّا مَضْبُوطًا بِالْعَدَالَةِ، كَانَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ حُجَّةً مَعْمُولًا بِهَا؛ ضَرُورَةً بِالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَذَلِكَ يَعُمُّ خَبَرَ كُلِّ عَدْلٍ.

وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ بِالْآيَاتِ فَجَوَابُهَا مَا سَبَقَ فِي بَيَانِ جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَقْلًا.

وَعَنِ السُّنَّةِ، أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا تَوَقَّفَ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ لِتَوَهُّمِهِ غَلَطَهُ لِبُعْدِ انْفِرَادِهِ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ دُونَ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ.

وَمَعَ ظُهُورِ أَمَارَةِ الْوَهْمِ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ (٢) فَحَيْثُ وَافَقَهُ الْبَاقُونَ عَلَى ذَلِكَ، ارْتَفَعَ حُكْمُ الْأَمَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وَهْمِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَعَمِلَ بِمُوجِبِ خَبَرِهِ.

كَيْفَ وَإِنَّ


(١) رَوَوْهُ - فِيهِ تَحْرِيفٌ، وَالصَّوَابُ رَدُّوهُ.
(٢) قَدْ يُقَالُ أَيْضًا تَوَقَّفَ لِمُعَارَضَةِ مَا اعْتَقَدَهُ لِخَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ، فَلَمَّا تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِخَبَرِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَجَعَ إِلَى خَبَرِهِمْ عَمَلًا بِالرَّاجِحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>