للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى هَذَا، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ اشْتِرَاطِ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ فِي الشَّهَادَةِ بِالْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: قَالُوا: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى أَنَّ بُلُوغَ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ فِي الْفِقْهِ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الْفَتْوَى، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ حَالُ الرَّاوِي بِالِاخْتِبَارِ، فَلَا تُقْبَلُ أَخْبَارُهُ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ اللَّازِمَةِ مِنْ فَوَاتِ الشَّرْطِ كَمَا إِذَا لَمْ يَظْهَرْ بِالِاخْتِبَارِ بُلُوغُ الْمُفْتِي رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُقَلِّدِ اتِّبَاعُهُ إِجْمَاعًا.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمُجْمَعُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْعَدَالَةُ بِمَعْنَى ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الْفِسْقِ ظَاهِرًا، أَوْ بِمَعْنًى آخَرَ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، غَيْرَ أَنَّ مَا هُوَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ.

كَيْفَ وَإِنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْوَصْفِ الْجَامِعِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَا سَبَقَ فِي الْحُجَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَبِتَقْدِيرِ ظُهُورِ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ، فَالِاعْتِبَارُ بِالْمُفْتِي غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ بُلُوغَ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ أَبْعَدُ فِي الْحُصُولِ مِنْ حُصُولِ صِفَةِ الْعَدَالَةِ.

وَلِهَذَا كَانَتِ الْعَدَالَةُ أَغْلَبَ وُقُوعًا مِنْ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَاحْتِمَالُ عَدَمِ صِفَةِ الِاجْتِهَادِ يَكُونُ أَغْلَبَ مِنْ عَدَمِ صِفَةِ الْعَدَالَةِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِ الْمُفْتِي مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ الْقَبُولُ بِعَدَمِ قَوْلِ الرَّاوِي مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ.

الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ عَدَمَ الْفِسْقِ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الرِّوَايَةِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْخِبْرَةُ الْبَاطِنِيَّةُ مُبَالَغَةً فِي دَفْعِ الضَّرَرِ، كَمَا فِي عَدَمِ الصَّبِيِّ وَالرِّقِّ وَالْكُفْرِ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْوَصْفِ الْجَامِعِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْحُجَّةِ الثَّانِيَةِ، وَبِتَقْدِيرِ مُنَاسَبَتِهِ فَالْقِيَاسُ عَلَى الشَّهَادَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِمَا تَقَدَّمَ.

الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: قَالُوا: رَدَّ عُمَرُ رِوَايَةَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ لَمَّا كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْحَالِ، وَعَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَدَّ قَوْلَ الْأَشْجَعِيِّ فِي الْمُفَوَّضَةِ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: أَمَّا رَدُّ عُمَرَ لِخَبَرِ فَاطِمَةَ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ صِدْقُهَا (١) .


(١) الظَّاهِرُ أَنَّهُ اعْتَقَدَ مُعَارَضَةَ حَدِيثِهَا لِمَا فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ، وَقَوْلِهِ: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) سُورَةُ الطَّلَاقِ، فَرَدَّهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِجَهَالَةِ حَالِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>