للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ فِسْقًا، فَالرِّوَايَةُ أَوْلَى (١) .

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى قَبُولِ أَقْوَالِ الْعَبِيدِ وَالنِّسْوَانِ وَالْأَعْرَابِ الْمَجَاهِيلِ لَمَّا ظَهَرَ إِسْلَامُهُمْ وَسَلَامَتُهُمْ مِنَ الْفِسْقِ ظَاهِرًا.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ؛ الْأَوَّلُ: أَنَّ الرَّاوِيَ مُسْلِمٌ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ فِسْقٌ، فَكَانَ خَبَرُهُ مَقْبُولًا كَإِخْبَارِهِ بِكَوْنِ اللَّحْمِ (لَحْمَ) مُذَكًّى، وَكَوْنِ الْمَاءِ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا، وَكَوْنِ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ رَقِيقَةً، وَكَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا عَنِ الْحَدَثَيْنِ؛ حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَنَحْوِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، وَرَوَى عَقِيبَ إِسْلَامِهِ خَبَرًا مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ، فَمَعَ ظُهُورِ إِسْلَامِهِ وَعَدَمِ وُجُودِ مَا يُوجِبُ فِسْقَهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، يَمْتَنِعُ رَدُّ رِوَايَتِهِ، وَإِذَا قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ حَالَ إِسْلَامِهِ، فَطُولُ مُدَّتِهِ فِي الْإِسْلَامِ أَوْلَى أَنْ لَا تُوجِبَ رَدَّهُ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ أَنَّ الْعَمَلَ بِمُوجِبِهَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ فَاسِقًا أَوْ لَيْسَ فَاسِقًا، لَا عَلَى عَدَمِ عِلْمِنَا بِفِسْقِهِ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ دُونَ الْبَحْثِ وَالْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ.

وَعَنِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ، مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَضَافَ الْحُكْمَ بِالظَّاهِرِ إِلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ إِلَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، لَا بِنَفْسِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ، وَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ مَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الِاطِّلَاعِ وَالْمَعْرِفَةِ بِأَحْوَالِ الْمُخْبِرِ لِصَفَاءِ جَوْهَرِ نَفْسِهِ وَاخْتِصَاصِهِ عَنِ الْخَلْقِ بِمَعْرِفَةِ مَا لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَنِ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ، غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (٢) .

الثَّانِي: أَنَّهُ رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى الظَّاهِرِ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ عِلَّةً لِقَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْعُقُوبَاتِ وَالْفَتْوَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ.


(١) أَصْلُ الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ فِي السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ
(٢) حَدِيثُ إِنْكَارِهِ عَلَى أُسَامَةَ بِقَوْلِهِ: " أَشَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ " وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَدُلُّ نَصًّا عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْأُمَّةِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى قِيَاسٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>