للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلُ: أَنَّ الرَّاوِيَ عَدْلٌ ثِقَةٌ، وَهُوَ جَازِمٌ بِالرِّوَايَةِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ صِدْقُهُ، وَذَلِكَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، فَوَجَبَ تَصْدِيقُهُ كَخَبَرِهِ فِيمَا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ، فَكَانَ وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ، كَالْقِيَاسِ، وَالْمَسْأَلَةُ ظَنِّيَّةٌ، فَكَانَ الظَّنُّ فِيهَا حُجَّةً.

وَأَمَّا الْإِلْزَامُ فَهُوَ أَنَّ الْوِتْرَ وَحُكْمَ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَوُجُوبَ الْغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ، وَإِفْرَادَ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتَهَا، فَمِنْ قَبِيلِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَثْبَتَهَا الْخُصُومُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَدَّ خَبَرَ الْمُغِيرَةِ فِي الْجَدَّةِ.

وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْمَعْقُولِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى مَظْنُونٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ.

الْأَوَّلُ: أَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، كَخُرُوجِ الْخَارِجِ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، وَمَسِّ الذَّكَرِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَلَوْ كَانَتِ الطَّهَارَةُ مِمَّا تُنْتَقَضُ بِهِ لَوَجَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِشَاعَتَهُ وَأَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى مُخَاطَبَةِ الْآحَادِ بِهِ، بَلْ يُلْقِيهِ عَلَى عَدَدِ التَّوَاتُرِ مُبَالَغَةً فِي إِشَاعَتِهِ، حَتَّى لَا يُفْضِيَ ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ صَلَاةِ أَكْثَرِ الْخَلْقِ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَحَيْثُ لَمْ يَنْقُلْهُ سِوَى الْوَاحِدِ دَلَّ عَلَى كَذِبِهِ.

الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهُ، وَالْجَوَابُ وَالدَّوَاعِي مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى نَقْلِهِ.

فَحَيْثُ انْفَرَدَ بِهِ الْوَاحِدُ دَلَّ عَلَى كَذِبِهِ، كَانْفِرَادِ الْوَاحِدِ بِنَقْلِ قَتْلِ أَمِيرِ الْبَلَدِ فِي السُّوقِ، بِمَشْهَدٍ مِنَ الْخَلْقِ وَطُرُوءِ حَادِثَةٍ مَنَعَتِ النَّاسَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّ الْخَطِيبَ سَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَلَى رَأْسِ الْمِنْبَرِ ذَلِكَ مِنَ الْوَقَائِعِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، بِمَعْرِفَتِهِ امْتَنَعَ إِثْبَاتُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْإِلْزَامَاتِ فَغَيْرُ مُسَاوِيَةٍ فِي عُمُومِ الْبَلْوَى لِمَسِّ الذَّكَرِ، فَلَا تَكُونُ فِي مَعْنَاهُ.

وَالْجَوَابُ عَنْ رَدِّ أَبِي بَكْرٍ بِخَبَرِ الْمُغِيرَةِ فِي الْجَدَّةِ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُطْلَقًا ; وَلِهَذَا عَمِلَ بِهِ لِمَا تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَخَبَرُهُمَا غَيْرُ خَارِجٍ عَنِ الْآحَادِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>