للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّالُّ عَلَيْهَا، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا فِي الدَّلَالَةِ لِخَبَرِ الْوَاحِدِ، أَوْ رَاجِحًا عَلَيْهِ، أَوْ مَرْجُوحًا.

فَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا، فَخَبَرُ الْوَاحِدِ أَوْلَى لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَدَلَالَةِ نَصِّ الْعِلَّةِ عَلَى حُكْمِهَا بِوَاسِطَةٍ.

وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا، فَخَبَرُ الْوَاحِدِ أَوْلَى مَعَ دَلَالَتِهِ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَإِنْ كَانَ رَاجِحًا عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ، فَوُجُودُ الْعِلَّةِ فِي الْفَزَعِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْطُوعًا بِهِ أَوْ مَظْنُونًا: فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعًا، فَالْمَصِيرُ إِلَى الْقِيَاسِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ وُجُودُهَا فِيهِ مَظْنُونًا، فَالظَّاهِرُ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْعِلَّةِ رَاحِجًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِوَاسِطَةِ الْعِلَّةِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا بِوَاسِطَةٍ، فَاعْتَدَلَا.

وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ مُسْتَنْبَطَةً، فَالْخَبَرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ مُطْلَقًا، وَدَلِيلُهُ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ، وَالْمَعْقُولُ.

أَمَّا النَّصُّ فَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذٍ حَيْثُ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا: ( «بِمَ تَحْكُمُ؟ قَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، وَلَا آلُو» .

أَخَّرَ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ عَنِ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» .

وَإِمَّا الْإِجْمَاعُ، فَهُوَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَرَكَ الْقِيَاسَ فِي الْجَنِينِ لِخَبَرِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَالَ: " لَوْلَا هَذَا، لَقَضَيْنَا فِيهِ بِرَأْيِنَا ".

وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ، فِي تَفْرِيقِ دِيَةِ الْأَصَابِعِ عَلَى قَدْرِ مَنَافِعِهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي رَوَى فِي كُلِّ إِصْبَعٍ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ، وَتَرَكَ اجْتِهَادَهُ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ تَرَكَ اجْتِهَادَهُ فِي مَنْعِ مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَقَالَ: " أَعْيَتْهُمُ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا، فَقَالُوا بِالرَّأْيِ فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا " وَكَانَ ذَلِكَ مَشْهُورًا فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ، فَصَارَ إِجْمَاعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>