للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ جَازَ الْعَمَلُ بِالْمَرَاسِيلِ، لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ أَسْمَاءِ الرُّوَاةِ وَالْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِمْ مَعْنًى.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمَرَاسِيلِ لَزِمَ فِي عَصْرِنَا هَذَا أَنْ يُعْمَلَ بِقَوْلِ الْإِنْسَانِ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَا " وَإِنْ لَمْ يُذْكَرِ الرُّوَاةُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

السَّادِسُ: أَنَّ الْخَبَرَ خَبَرَانِ: تَوَاتَرٌ وَآحَادٌ، وَلَوْ قَالَ الرَّاوِي " أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أُحْصِيهِمْ عَدَدًا " لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّوَاتُرِ، فَكَذَلِكَ فِي الْآحَادِ.

وَالْجَوَابُ قَوْلُهُمُ: الْإِجْمَاعُ لَا يُسَاعِدُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، قُلْنَا: الَّذِي لَا يُسَاعِدُ إِنَّمَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الْقَاطِعُ فِي مَتْنِهِ وَسَنَدِهِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ فَظَنِّيٌّ، فَلَا يُمْتَنَعُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ كَالظَّاهِرِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

قَوْلُهُمْ: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْإِنْكَارِ، قُلْنَا: الْأَصْلُ عَدَمُهُ.

قَوْلُهُمْ: إِنَّهُمْ بَاحَثُوا ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ، قُلْنَا: الْمُرَاجَعَةُ فِي ذَلِكَ لَا تَدُلُّ عَلَى إِنْكَارِ الْإِرْسَالِ (١) بَلْ غَايَتُهُ طَلَبُ زِيَادَةِ عِلْمٍ لَمْ تَكُنْ حَاصِلَةً بِالْإِرْسَالِ، وَقَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ لَيْسَ إِنْكَارًا لِلْإِرْسَالِ مُطْلَقًا، بَلْ إِرْسَالُ الْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ لَا غَيْرَ لِظَنِّهِ أَنَّهُمَا لَمْ يَلْتَزِمَا فِي ذَلِكَ تَعْدِيلَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ (٢) .

وَلِهَذَا قَالَ فَإِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ عَمَّنْ أَخَذَا الْحَدِيثَ مِنْهُ، لَا عَلَى الْإِرْسَالِ.

قَوْلُهُمْ: السُّكُوتُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ، قُلْنَا: وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا قَطْعًا فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا ظَنًّا، كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْإِجْمَاعِ (٣) .

قَوْلُهُمْ: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ إِرْسَالَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيِنَ حُجَّةٌ، قُلْنَا: إِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ، أَنْ لَوْ كَانُوا لَا يَرْوُونَ إِلَّا عَنِ الصَّحَابِيِّ الْعَدْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

وَلِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ بَعْدَ الْإِرْسَالِ حَدَّثَنِي بِهِ رَجُلٌ عَلَى بَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِيمَا أَرْسَلَهُ حَدَّثَنِي بِهِ بَعْضُ الْحَرَسِيَّةِ.


(١) سَبَقَ فِي التَّعْلِيقِ أَنَّ النِّزَاعَ هُنَا فِي الْعَمَلِ بِأَحْكَامِ الْمُرْسَلِ لَا فِي نَفْسِ الْإِرْسَالِ ص ١٢٥
(٢) لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمَا الْتَزَمَا تَعْدِيلَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ الْمُبْهَمِ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ حَتَّى يُنْظَرَ فِي حَالِهِ
(٣) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ تَعْلِيقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>