للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي تَفْسِيرِهِمُ الْأَمْرَ، بِطَلَبِ الْفِعْلِ، مِنْ جِهَةِ أَنَّ السَّيِّدَ أَيْضًا آمِرٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَبْدِهِ، مَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ مِنْهُ طَلَبُ الْفِعْلِ مِنْ عَبْدِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ عِقَابِهِ وَكَذِبِهِ، وَالْعَاقِلُ لَا يَطْلُبُ مَا فِيهِ مُضِرَّتُهُ وَإِظْهَارُ كَذِبِهِ. وَعِنْدَ ذَلِكَ فَمَا هُوَ جَوَابُ أَصْحَابِنَا فِي تَفْسِيرِ الْأَمْرِ بِالطَّلَبِ يَكُونُ جَوَابًا لِلْخَصْمِ فِي تَفْسِيرِهِ بِالْإِرَادَةِ.

وَإِنْ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ هُوَ الطَّلَبَ، بَلِ الْإِخْبَارُ بِاسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرَ لِعَبْدِهِ مِمَّا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ وَتَكْذِيبُهُ فِي أَمْرِهِ لِعَبْدِهِ ضَرُورَةَ كَوْنِ الْأَمْرِ خَبَرًا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

كَيْفَ وَإِنَّهُ عَلَى خِلَافِ تَقْسِيمِ أَهْلِ اللُّغَةِ الْكَلَامَ، إِلَى أَمْرٍ وَخَبَرٍ.

وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ، أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفَةٍ مِنَ الْخُصُومِ، عَلَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى كُفْرِهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِيمَانِ، وَلَيْسَ الْإِيمَانُ مِنْهُ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى (١) لِأَنَّهُ، لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى سِوَى تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِهِ، وَلَا مَعْنَى لِتَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِالْفِعْلِ سِوَى تَخْصِيصِهَا لَهُ بِحَالَةِ حُدُوثِهِ، فَلَا يَعْقِلُ تَعَلُّقُهَا بِهِ دُونَ تَخْصِيصِهَا لَهُ بِحَالَةِ حُدُوثِهِ، وَمَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ تَكُنِ الْإِرَادَةُ مُخَصَّصَةً لَهُ بِحَالَةِ حُدُوثِهِ، فَلَا تَكُونُ مُتَعَلِّقَةً بِهِ، وَلِيَقْنَعَ بِهَذَا هَاهُنَا عَمَّا اسْتَقْصَيْنَاهُ مِنَ الْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ.

وَأَمَّا أَصْحَابُنَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ، الْأَمْرُ عِبَارَةٌ عَنِ الْخَبَرِ عَلَى الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ تَارَةً، وَالْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ تَارَةً، وَهُوَ فَاسِدٌ لِمَا سَبَقَ امْتِنَاعٌ مِنْ تَصْدِيقِ الْآمِرِ وَتَكْذِيبِهِ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ لُزُومُ الثَّوَابِ عَلَى فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَالْعِقَابِ عَلَى تَرْكِهِ، مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ حَذَرًا مِنَ الْخَلَفِ فِي خَبَرِ الصَّادِقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ.

أَمَّا الثَّوَابُ فَلِجَوَازِ إِحْبَاطِ الْعَمَلِ بِالرِّدَّةِ، وَأَمَّا الْعِقَابُ فَلِجَوَازِ الْعَفْوِ وَالشَّفَاعَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْتَرَزَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنْ يُقَالَ: هُوَ الْإِخْبَارُ بِاسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَيْهِ الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ دَافِعٍ.


(١) أَيْ لَيْسَ إِيمَانُ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَمُوتُ كَافِرًا مُرَادًا لِلَّهِ إِرَادَةً كَوْنِيَّةً، وَإِنْ كَانَ مُرَادًا لَهُ إِرَادَةً شَرْعِيَّةً

<<  <  ج: ص:  >  >>