الثَّالِثُ أَنَّ الْفِعْلَ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَوْ جَازَ تَأْخِيرُهُ، إِمَّا أَنْ يَجُوزَ إِلَى غَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ لَا إِلَى غَايَةٍ.
فَإِنْ جَازَ تَأْخِيرُهُ إِلَى غَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لِلْمَأْمُورِ، أَوْ لَا تَكُونُ مَعْلُومَةً لَهُ فَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً لَهُ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَذْكُورَةً بِأَنْ يُقَالَ لَهُ (إِلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) مَثَلًا أَوْ مَوْصُوفَةً.
الْأَوَّلُ خِلَافُ الْفَرْضِ، إِذِ الْفَرْضُ فِيمَا إِذَا كَانَ أَمْرًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ فِي الذِّكْرِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْوَقْتُ الْمَوْصُوفُ لَا يَخْرُجُ بِالْإِجْمَاعِ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْمَأْمُورَ بِهِ عَنْهُ لَفَاتَ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَمَارَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهِيَ بِالْإِجْمَاعِ غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنِ الْغَرَضِ الْمَرْجُوِّ وَعُلُوِّ السِّنِّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مُضْطَرِبٌ مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ يَعِيشُ بَعْدَهُ فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَتِ الْغَايَةُ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْهَا، كَانَ ذَلِكَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا جَازَ التَّأْخِيرُ إِلَى غَايَةٍ.
وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لَا إِلَى غَايَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ بِبَدَلٍ، أَوْ لَا بِبَدَلٍ، فَإِنْ كَانَ بِبَدَلٍ، فَذَلِكَ الْبَدَلُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ، لَا جَائِزَ أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا وَإِمَّا لَمَا كَانَ بَدَلًا عَنِ الْوَاجِبِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَوَجَبَ إِنْبَاهُ الْمَأْمُورِ حَالَةَ وُرُودِ الْأَمْرِ نَحْوَهُ عَلَى مَنْ حَضَرَ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْبَدَلُ، كَمَا لَوْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَكَانَ نَائِمًا، الثَّانِي: هُوَ أَنَّ الْأَمْرَ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِوُجُوبِ الْبَدَلِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ دَلِيلٍ آخَرَ، وَيَمْتَنِعُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْبَدَلَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا، لَكَانَ قَائِمًا مَقَامَ الْمُبْدَلِ وَمُحَصِّلًا لِمَقْصُودِهِ، وَإِمَّا لَمَا كَانَ بَدَلًا، لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ مَقْصُودِ الْأَصْلِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ سُقُوطُ الْمَأْمُورِ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِتَقْدِيرِ الْإِتْيَانِ بِالْبَدَلِ ضَرُورَةَ حُصُولِ مَقْصُودِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَدَلُ وَاجِبًا لَمْ يَخْلُ إِمَّا أَنْ يَجُوزَ تَأْخِيرُهُ عَنِ الْوَقْتِ الثَّانِي، مِنْ وُرُودِ الْأَمْرِ أَوْ لَا يَجُوزُ: فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أَصْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهُوَ تَسَلْسُلٌ مُمْتَنِعٌ.