للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى (١)

اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّصَرُّفَاتِ وَالْعُقُودِ الْمُفِيدَةِ لِأَحْكَامِهَا كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا هَلْ يَقْتَضِي فَسَادَهَا أَوْ لَا؟

فَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحَنَابِلَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى فَسَادِهَا، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي جِهَةِ الْفَسَادِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ دُونَ اللُّغَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْفَسَادِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَالْقَفَّالِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْكَرْخِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِهِمْ.

وَلَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي أَنَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَفْسَدُ كَالنَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا مَا نُقِلَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ لِعَيْنِهِ (٢) فَالنَّهْيُ لَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ بَلْ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى.

أَمَّا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنًى لِكَوْنِ التَّصَرُّفُ فَاسِدًا سِوَى انْتِفَاءِ أَحْكَامِهِ وَثَمَرَاتِهِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ وَخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا مُفِيدًا لَهَا، وَالنَّهْيُ هُوَ طَلَبُ تَرْكِ الْفِعْلِ وَلَا إِشْعَارَ لَهُ بِسَلْبِ أَحْكَامِهِ وَثَمَرَاتِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا مُفِيدًا لَهَا.

وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: نَهَيْتُكَ عَنْ ذَبْحِ شَاةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِعَيْنِهِ، وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ حُلَّتِ الذَّبِيحَةُ وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْحِلِّ، وَنَهَيْتُكَ عَنِ اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الِابْنِ لِعَيْنِهِ وَإِنْ فَعَلْتَ مَلَكْتَهَا، وَنَهَيْتُكَ عَنْ بَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا لِعَيْنِهِ وَإِنْ فَعَلْتَ


(١) انْظُرْ ص ٢٨١ - ٤٢٠ مِنْ ج ٢٩ مِنْ مَجْمُوعِ فَتَاوَى ابْنِ تَيْمِيَةَ
(٢) الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لِعَيْنِهِ هُوَ مَا نُهِيَ عَنْهُ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْخَمْرِ فَإِنَّهُ نُهِيَ عَنْ شُرْبِهِ لِإِسْكَارِهِ، انْظُرْ نَقْدَ ابْنِ تَيْمِيَةَ لِهَذَا التَّقْسِيمِ فِي ج ٢٩ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>