قَوْلُهُمْ: لَوْ سَأَلَ لَوَقَعَ الْجَوَابُ.
قُلْنَا: جَوَابُ الْجُدْرَانِ وَالْبَهَائِمِ غَيْرُ وَاقِعٍ عَلَى وِفْقِ الِاخْتِيَارِ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ، بَلْ إِنْ وَقَعَ فَإِنَّمَا يَقَعُ بِتَقْدِيرِ تَحَدِّي النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِ. وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، ثُمَّ وَإِنْ أَمْكَنَ تَخَيُّلُ مَا قَالُوهُ مَعَ بُعْدِهِ فَبِمَاذَا يَعْتَذِرُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} وَالْأَنْهَارُ غَيْرُ جَارِيَةٍ، وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} وَهُوَ غَيْرُ مُشْتَعِلٍ، وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} وَالذُّلُّ لَا جَنَاحَ لَهُ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وَالْأَشْهُرُ لَيْسَتْ هِيَ الْحَجُّ وَإِنَّمَا هِيَ ظَرْفٌ لِأَفْعَالِ الْحَجِّ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} وَالصَّلَوَاتُ لَا تُهَدَّمُ وَقَوْلِهِ: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} ، وَقَوْلِهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، وَقَوْلِهِ: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِعُدْوَانِ، وَقَوْلِهِ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ، وَقَوْلِهِ: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} ، وَقَوْلِهِ: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} إِلَى مَا لَا يُحْصَى ذِكْرُهُ مِنَ الْمَجَازَاتِ.
وَعَنِ الْمُعَارَضَةِ الْأَوْلَى بِمَنْعِ كَوْنِ الْمَجَازِ كَذِبًا، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ كَذِبًا أَنْ لَوْ أَثْبَتَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، كَيْفَ وَإِنَّ الْكَذِبَ مُسْتَقْبَحٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ بِخِلَافِ الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّجَوُّزِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ مَنَّ الْمُسْتَحْسَنَاتِ.
قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ مِنْ رَكِيكِ الْكَلَامِ، لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْمَجَازُ أَفْصَحَ وَأَقْرَبَ إِلَى تَحْصِيلِ مَقَاصِدِ الْمُتَكَلِّمِ الْبَلِيغِ عَلَى مَا سَبَقَ.
وَعَنِ الثَّانِيَةِ بِمَنْعِ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ اشْتِرَاطِ الْمَصِيرِ إِلَى الْمَجَازِ بِالْعَجْزِ عَنِ الْحَقِيقَةِ، بَلْ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَقَاصِدِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَعَنِ الثَّالِثَةِ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ. (١)
(١) سَيَأْتِي تَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيِّينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute