للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنَ الْوَاقِفِيَّةِ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَقَالَ بِالْوَقْفِ فِي الْإِخْبَارِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ دُونَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.

وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ صِحَّةُ الِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْخُصُوصِ لِكَوْنِهِ مُرَادًا مِنَ اللَّفْظِ يَقِينًا سَوَاءٌ أُرِيدَ بِهِ الْكُلُّ أَوِ الْبَعْضُ، وَالْوَقْفُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ (١) وَمِنْهَاجِ الْكَلَامِ، فَعَلَى مَا عُرِفَ فِي التَّوَقُّفِ فِي الْأَمْرِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، فَعَلَيْكَ بِنَقْلِهِ إِلَى هَاهُنَا، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَقْصُودُ بِذِكْرِ شُبَهِ الْمُخَالِفِينَ وَالِانْفِصَالِ عَنْهَا.

وَلْنَبْدَأْ مِنْ ذَلِكَ بِشُبَهِ أَرْبَابِ الْعُمُومِ وَهِيَ نَصِّيَّةٌ وَإِجْمَاعِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ.

أَمَّا النَّصِّيَّةُ فَمِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} تَمَسُّكًا مِنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَهْلَكَ) وَأَقَرَّهُ الْبَارِي تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، وَأَجَابَهُ بِمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَوْلَا أَنَّ إِضَافَةَ الْأَهْلِ إِلَى نُوحٍ لِلْعُمُومِ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا «أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} قَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: " لَأَخْصِمَنَّ مُحَمَّدًا " ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: " وَقَدْ عُبِدَتِ الْمَلَائِكَةُ وَالْمَسِيحُ أَفَتَرَاهُمْ يَدْخُلُونَ النَّارَ؟» (٢) وَاسْتَدَلَّ بِعُمُومِ (مَا) وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، بَلْ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى غَيْرَ مُنْكِرٍ لِقَوْلِهِ، بَلْ مُخَصِّصًا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (٣)


(١) الْقَوْلُ بِالْوَقْفِ عَلَى أَيِّ حَالٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاسْتِحْكَامِ النِّزَاعِ فِيهَا وَفِي سَائِرِ مَسَائِلِ الْعُمُومِ مِمَّا يَزِيدُ الْبَاحِثَ يَقِينًا بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ ظَنِّيٌّ
(٢) ذَكَرَ الْآمِدِيُّ بَعْضَ قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبَعْرَى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجْمَلَةً وَتَصَرَّفَ فِي الْعِبَارَةِ، وَإِذَا أَرَدْتَهَا مُفَصَّلَةً فَارْجِعْ إِلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَالْبَغَوِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عِنْدَ تَفْسِيرِهِمْ لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَإِلَى مَا كَتَبَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَلَيْهَا فِي تَخْرِيجِهِ لِأَحَادِيثِ الْكَشَّافِ
(٣) يَرَى ابْنُ جَرِيرٍ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} الْآيَاتُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، وَلَيْسَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ) لِأَنَّ (مَا) لِغَيْرِ الْعَاقِلِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَصْنَامُ وَمَا فِي حُكْمِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>