للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: وَقَوْلُهُمْ إِنَّ (مَنْ) إِذَا كَانَتِ اسْتِفْهَامِيَّةً لَا تَخْلُو عَنِ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُسَلَّمٌ.

وَلَكِنْ لِمَ قَالُوا بِوُجُوبِ تَعْيِينِ بَعْضِهَا مَعَ عَدَمِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى ذَلِكَ؟

قَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَتْ لِلْخُصُوصِ لَمَا حَسُنَ الْجَوَابُ بِكُلِّ الْعُقَلَاءِ.

قُلْنَا: وَلَوْ كَانَتْ لِلْعُمُومِ لَمَا حَسُنَ الْجَوَابُ بِالْبَعْضِ الْخَاصِّ لِمَا قَرَّرُوهُ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ كَيْفَ وَإِنَّ الْجَوَابَ بِالْكُلِّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لِلْخُصُوصِ يَكُونُ جَوَابًا عَنِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَزِيَادَةً؟ وَالْجَوَابُ بِالْخُصُوصِ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ لَا يَكُونُ جَوَابًا عَنِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ.

وَلِذَلِكَ كَانَ الْجَوَابُ بِالْكُلِّ مُسْتَحْسَنًا.

ثُمَّ مَا الْمَانِعُ أَنْ تَكُونَ مُشْتَرَكَةً؟

قَوْلُهُمْ: لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ الْجَوَابُ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ.

قُلْنَا: إِذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً وَهِيَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ فَالِاسْتِفْهَامُ إِنَّمَا هُوَ عَنْ مَدْلُولِهَا، وَمَدْلُولُهَا عِنْدَ الِاسْتِفْهَامِ إِنَّمَا هُوَ أَحَدُ الْمَدْلُولَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ، فَإِذَا أَجَابَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ أَجَابَ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ، فَلَا حَاجَةَ بِالْمَسْئُولِ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ.

قَوْلُهُمْ: فِي الشَّرْطِيَّةِ إِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأُكْرِمُهُ الْعُمُومُ لِمَا قَرَّرُوهُ.

قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ مَفْهُومًا مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ، بَلْ مِنْ قَرِينَةِ إِكْرَامِ الزَّائِرِ حَتَّى أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّهُ لَا أَصْلًا، وَلَا تَحَقَّقَ لِمَا سِوَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ فَهْمَ الْعُمُومِ مِنْهُ وَلَا جَوَازَ التَّعْمِيمِ دُونَ الِاسْتِفْهَامِ أَوْ ظُهُورِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا بِالْوَقْفِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْسُنُ الِاسْتِفْهَامُ مِنَ الْعَبْدِ وَلَوْ كَانَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ قُدِّرَ، وَحُسْنُ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّرْدِيدِ، وَلَوْلَا التَّرْدِيدُ لَمَا حَسُنَ الِاسْتِفْهَامُ.

قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ يَحْسُنُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ مَا اسْتُثْنِيَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَا لَهُ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ (١) .

وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} ، وَالظَّنُّ دَاخِلٌ تَحْتَ لَفْظِ الْعِلْمِ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:


(١) الْأَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ وَدُخُولُ الْمُسْتَثْنَى فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَعَدَمُ دُخُولِهِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَلَا يُعْدَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>