للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَاجِبِ وَعِنْدَ ذَلِكَ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ لِوُجُوبِ الدُّخُولِ، بَلْ لِصِحَّةِ الدُّخُولِ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَيْضًا.

كَيْفَ وَإِنَّ اسْتِثْنَاءً وَاجِبَ الدُّخُولِ لَا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِثْنَاءٍ مُمْكِنِ الدُّخُولِ؟ وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي إِبْطَالِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عُمُومِ (مَنْ) اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَجَزَائِيَّةٌ يَكُونُ بِعَيْنِهِ جَوَابًا عَمَّا ذَكَرُوهُ مِنَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي عُمُومِ (كُلٍّ) وَ (جَمِيعٍ) .

قَوْلُهُمُ الْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ لَوْ قَالَ: رَأَيْتُ كُلَّ مَنْ فِي الْبَلَدِ يُعَدُّ كَاذِبًا بِتَقْدِيرِ عَدَمِ رُؤْيَةِ بَعْضِهِمْ لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ ذَلِكَ مُطْلَقًا.

فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ الْقَائِلَ: جَمَعَ السُّلْطَانُ كُلَّ التُّجَّارِ وَكُلَّ الصُّنَّاعِ وَجَاءَ كُلُّ الْعَسْكَرِ، فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ كَاذِبًا بِتَقْدِيرِ تَخَلُّفِ آحَادِ النَّاسِ.

وَالْعُرْفُ بِذَلِكَ شَائِعٌ ذَائِعٌ، وَلَيْسَ حَوَالَةُ ذَلِكَ عَلَى الْقَرِينَةِ أَوْلَى مِنْ حَوَالَةِ صُورَةِ التَّكْذِيبِ عَلَى الْقَرِينَةِ (١) .

قَوْلُهُمْ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: إِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: كُلُّ النَّاسِ عُلَمَاءٌ يُكَذِّبُهُ قَوْلُ الْآخَرِ: كُلُّ النَّاسِ لَيْسَ عُلَمَاءً لَيْسَ كَذَلِكَ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ لَوْ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِالْغَالِبِ عِنْدَهُ كَانَ تَفْسِيرُهُ صَحِيحًا مَقْبُولًا.

وَمَهْمَا أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا تَكَاذُبَ (٢) .

نَعَمْ إِنَّمَا يَصِحُّ التَّكَاذُبُ بِتَقْدِيرِ ظُهُورِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى إِرَادَةِ الْكُلِّ بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْكَرُ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي اقْتِضَاءِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ بِمُطْلَقِهِ.

قَوْلُهُمْ فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ: إِنَّا نُدْرِكُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ (بَعْضٍ) وَ (كُلٍّ) مُسَلَّمٌ، لَكِنْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ بَعْضًا لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَكُلًّا صَالِحٌ لَهُ وَلِمَا دُونَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ ظُهُورُ (كُلٍّ) فِي الْعُمُومِ (٣) .

قَوْلُهُمْ فِي الْوَجْهِ الْخَامِسِ: إِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (كُلُّهُمْ) بَيَانًا لَا تَأْكِيدًا.


(١) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ تَعْلِيقًا فِي ص ٢٠٨ ج ٢
(٢) إِنَّمَا حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ إِمَّا لِعُرْفٍ وَإِمَّا لِصِيَانَةِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ عَنِ التَّدَافُعِ وَالتَّنَاقُضِ، فَحُمِلَ كُلٌّ مِنَ الْعِبَارَتَيْنِ عَلَى بَعْضِ الْمَعْنَى جَمْعًا بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ
(٣) كُلٌّ وَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ غَيْرَ أَنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي الْعُمُومِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً فِيهِ وَلَا تَنْصَرِفُ إِلَى الْخُصُوصِ إِلَّا بِقَرِينَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>