للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْإِنْسَانِ، وَإِنْ كَانَ مَجَازًا فِيهِ وَحَقِيقَةً فِي الْمَوْضِعِ الْمُطَمْئِنِ مِنَ الْأَرْضِ وَفِنَاءِ الدَّارِ.

وَكَذَلِكَ لَفْظُ الشُّجَاعِ حَقِيقَةً فِي الْحَيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ الِاسْتِخْدَامِ فِي الرَّجُلِ الْمِقْدَامِ.

قَوْلُهُمْ فِي الثَّالِثَةِ: إِنَّهُ لَا يَحْسُنُ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ إِرَادَةِ الْبَعْضِ بِخِلَافِ الْعُمُومِ.

قُلْنَا: حُسْنُ الِاسْتِفْهَامِ عَنْ إِرَادَةِ الْعُمُومِ لَا يُخْرِجُ الصِّيغَةَ عَنْ كَوْنِهَا حَقِيقَةً فِي الْعُمُومِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ: دَخَلَ السُّلْطَانُ الْبَلَدَ وَلَقِيتُ بَحْرًا وَنَاطَحْتُ جَبَلًا وَرَأَيْتُ حِمَارًا، فَإِنَّهُ يَحْسُنُ اسْتِفْهَامُهُ: هَلْ أَرَدْتَ بِالسُّلْطَانِ نَفْسَهُ أَوْ عَسْكَرَهُ؟ وَهَلْ أَرَدْتَ بِالْجَبَلِ الْجَبَلَ الْحَقِيقِيَّ أَوِ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ؟ وَهَلْ أَرْدَتْ بِالْحِمَارِ الْحِمَارَ الْحَقِيقِيَّ أَوِ الْبَلِيدَ؟ وَأَرَدْتَ بِالْبَحْرِ الْبَحْرَ الْحَقِيقِيَّ أَوْ رَجُلًا كَرِيمًا؟ وَعَدَمُ حُسْنِ الِاسْتِفْهَامِ عَنِ الْبَعْضِ لِتَيَقُّنِهِ لَا يُوجِبُ كَوْنَ الصِّيغَةِ حَقِيقَةً فِيهِ (١) بِدَلِيلِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْعَشَرَةِ.

قَوْلُهُمْ فِي الرَّابِعَةِ: لَوْ كَانَ قَوْلُهُ: رَأَيْتُ الرِّجَالَ لِلْعُمُومِ لَكَانَ كَاذِبًا بِتَقْدِيرِ إِرَادَةِ الْخُصُوصِ، قُلْنَا: إِنَّمَا يَكُونُ كَاذِبًا مَعَ كَوْنِ لَفْظِهِ حَقِيقَةً فِي الْعُمُومِ إِنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُهُ صَالِحًا لِإِرَادَةِ الْبَعْضِ تَجَوُّزًا، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: رَأَيْتُ أَسَدًا وَحِمَارًا أَوْ بَحْرًا، وَكَانَ قَدْ رَأَى إِنْسَانًا شُجَاعًا، وَإِنْسَانًا بَلِيدًا، وَإِنْسَانًا كَرِيمًا لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ رَأَيْتُ عَشَرَةَ رِجَالٍ وَلَمْ يَكُنْ خَمْسَةً، فَإِنَّ لَفْظَ الْعَشَرَةِ مِمَّا لَا يَصْلُحُ لِلْخَمْسَةِ لَا حَقِيقَةً وَلَا تَجَوُّزًا.

قَوْلُهُمْ فِي الْخَامِسَةِ: إِنَّهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الصِّيَغُ لِلْعُمُومِ لَكَانَ تَأْكِيدُهَا عَبَثًا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ مُجَازَفَةِ الْمُتَكَلِّمِ، وَأَبْعَدَ عَنْ قَبُولِ التَّخْصِيصِ وَأَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ.

كَيْفَ وَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ صِحَّةُ تَأْكِيدِ الْخَاصِّ (٢) بِقَوْلِهِمْ: جَاءَ زَيْدٌ عَيْنُهُ نَفْسُهُ، وَتَأْكِيدِ عُقُودِ الْأَعْدَادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} ، وَمَا هُوَ الْجَوَابُ هَاهُنَا عَنِ التَّأْكِيدِ يَكُونُ جَوَابًا فِي الْعُمُومِ.


(١) أَيْ لَا يُوجِبُ كَوْنَ الصِّيغَةِ حَقِيقَةً فِي الْمُتَيَقَّنِ مَجَازًا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ
(٢) " صِحَّةُ تَأْكِيدِ " - فِيهِ سَقْطٌ لَا يَصِحُّ الْمَعْنَى دُونَ تَقْدِيرِهِ، وَالتَّقْدِيرُ " عَدَمُ صِحَّةِ تَأْكِيدِ "

<<  <  ج: ص:  >  >>