للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: أَنَّ خِطَابَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ مُمْتَنِعٌ حَتَّى إِنَّ مَنْ شَافَهَهُ بِالْخِطَابِ اسْتُهْجِنَ كَلَامُهُ وَسُفِّهَ فِي رَأْيِهِ، مَعَ أَنَّ حَالَهُمَا لِوُجُودِهِمَا وَاتِّصَافَهُمَا بِصِفَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَأَصْلِ الْفَهْمِ وَقَبُولَهُمَا لِلتَّأْدِيبِ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ أَقْرَبُ إِلَى الْخِطَابِ لَهُمَا مِمَّنْ لَا وُجُودَ لَهُ (١) .

احْتَجَّ الْخُصُومُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْمَعْقُولِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» " (٢) ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خِطَابُهُ مُتَنَاوِلًا لِمَنْ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا إِلَيْهِ وَلَا مُبَلِّغًا إِلَيْهِ شَرْعَ اللَّهِ، تَعَالَى، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» " (٣) ، وَلَفْظُ (الْجَمَاعَةِ) يَسْتَغْرِقُ كُلَّ مَنْ بَعْدَهُ.

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ عَلَى مَنْ فِي زَمَانِهِ حُكْمًا عَلَى غَيْرِهِمْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ.


(١) هَذَا صَحِيحٌ إِذَا أُرِيدَ مُشَافَهَتُهُمَا بِالْخِطَابِ حَالَةَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ، أَمَّا إِذَا أُرِيدَ تَنَاوُلُ الْخِطَابِ لَهُمَا عِنْدَ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلتَّكْلِيفِ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ تَتَنَاوَلُهُمَا الْأَحْكَامُ عِنْدَ تَحَقُّقِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلتَّكْلِيفِ
(٢) بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ. لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ صَحَّ مَعْنَاهُ فِي أَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي "، وَمِنْهُ: " وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ فِي قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً ".
(٣) حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ " وَفِي لَفْظٍ: " كَحُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ "، قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْبَيْضَاوِيِّ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَسُئِلَ عَنْهُ الْمِزِّيُّ وَالذَّهَبِيُّ فَأَنْكَرَاهُ، انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ سُورَةَ الْمُمْتَحَنَةِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْعَجْلُونِيُّ فِي كَشْفِ الْخَفَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>