للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: إِنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا لَا يَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ إِلَّا لِإِخْرَاجِ بَعْضِهِ بِلَفْظِ (إِلَّا) وَلَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ أَيْضًا مَدْخُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا لِإِخْرَاجِ بَعْضِ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ إِخْرَاجًا لِبَعْضِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ: جَاءَ الْقَوْمُ غَيْرَ زَيْدٍ، فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مَعَ أَنَّ لَفْظَةَ (غَيْرَ) قَدْ وُجِدَ فِيهَا جَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْقُيُودِ سِوَى قَوْلِهِ: لَا يَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ إِلَّا لِإِخْرَاجِ بَعْضِهِ.

فَإِنَّ (غَيْرَ) قَدْ يَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ لِغَرَضِ النَّعْتِيَّةِ إِذَا لَمْ يَجُزْ فِي مَوْضِعِهَا (إِلَّا) كَقَوْلِكَ: عِنْدِي دِرْهَمٌ غَيْرُ جَيِّدٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ تَقُولَ فِي مَوْضِعِهَا: عِنْدِي دِرْهَمٌ إِلَّا جَيِّدًا فَلَا جَرَمَ كَانَتْ نَعْتًا لِلدِّرْهَمِ وَتَابِعَةً لَهُ فِي إِعْرَابِهِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا قُلْتَ: عِنْدِي دِرْهَمٌ غَيْرَ قِيرَاطٍ، فَإِنَّ (غَيْرَ) تَكُونُ اسْتِثْنَائِيَّةً مَنْصُوبَةً لِإِمْكَانِ دُخُولِ (إِلَّا) فِي مَوْضِعِهَا.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَاهُنَا: إِنَّ النَّعْتِيَّةَ لَيْسَتِ اسْتِثْنَائِيَّةً فَلَا تَرِدُ عَلَى الْحَدِّ.

وَالْمُخْتَارُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: الِاسْتِثْنَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ لَفْظٍ مُتَّصِلٍ بِجُمْلَةٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ دَالٍّ بِحَرْفِ (إِلَّا) أَوْ أَخَوَاتِهَا عَلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ غَيْرُ مُرَادٍ مِمَّا اتَّصَلَ بِهِ، لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا صِفَةٍ وَلَا غَايَةٍ.

فَقَوْلُنَا: (لَفْظٍ) احْتِرَازٌ عَنِ الدَّلَالَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّخْصِيصِ.

وَقَوْلُنَا: (مُتَّصِلٍ بِجُمْلَةٍ) احْتِرَازٌ عَنِ الدَّلَائِلِ الْمُنْفَصِلَةِ.

وَقَوْلُنَا: (وَلَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ قَوْلِنَا: قَامَ الْقَوْمُ وَزَيْدٌ لَمْ يَقُمْ، وَقَوْلُنَا: (دَالٍّ) احْتِرَازٌ عَنِ الصِّيَغِ الْمُهْمَلَةِ.

وَقَوْلُنَا: (عَلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ غَيْرُ مُرَادٍ مِمَّا اتَّصَلَ بِهِ) احْتِرَازٌ عَنِ الْأَسْمَاءِ الْمُؤَكِّدَةِ وَالنَّعْتِيَّةِ.

كَقَوْلِ الْقَائِلِ: جَاءَنِي الْقَوْمُ الْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ.

وَقَوْلُنَا: (بِحَرْفِ (إِلَّا) أَوْ أَخَوَاتِهَا) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِنَا: قَامَ الْقَوْمُ دُونَ زَيْدٍ، وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ أَكْثَرِ الْإِلْزَامَاتِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا.

وَقَوْلُنَا: (لَيْسَ بِشَرْطٍ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لِعَبْدِهِ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأَكْرِمْهُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَقَوْلُنَا: (لَيْسَ بِصِفَةٍ) احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: جَاءَنِي بَنُو تَمِيمٍ الطُّوَالُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>