للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْكِتَابُ مُبَيِّنًا لِلْكِتَابِ لَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَوْنِهِ مُبَيِّنًا لِلْكِتَابِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

قُلْنَا: إِضَافَةُ الْبَيَانِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ مُبَيِّنًا لِلْكِتَابِ بِالْكِتَابِ إِذِ الْكُلُّ وَارِدٌ عَلَى لِسَانِهِ، فَذِكْرُهُ الْآيَةَ الْمُخَصِّصَةَ يَكُونُ بَيَانًا مِنْهُ وَيَجِبُ حَمْلُ وَصْفِهِ بِكَوْنِهِ مُبَيِّنًا عَلَى أَنَّ الْبَيَانَ وَارِدٌ عَلَى لِسَانِهِ، كَانَ الْوَارِدُ عَلَى لِسَانِهِ الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ عُمُومِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مُبَيِّنًا لِكُلِّ مَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ، لِكَوْنِهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّا خَالَفْنَاهُ فِي الْبَعْضِ فَيَجِبُ بِالْبَعْضِ الْآخَرِ تَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ الْعَامِّ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ وَإِنْ صَحَّ فِيمَا إِذَا كَانَ الْخَاصُّ مُتَأَخِّرًا فَلَا يَصِحُّ فِيمَا إِذَا جُهِلَ التَّارِيخُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ مُقَدَّمًا فَيَكُونَ الْعَامُّ بَعْدَهُ نَاسِخًا لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ مُتَقَدِّمًا فَيَكُونَ الْخَاصُّ مُخَصِّصًا لَهُ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَوَجَبَ التَّعَاوُنُ (١) وَالتَّسَاقُطُ وَالرُّجُوعُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي.

وَإِنْ سَلَّمْنَا كَوْنَ الْخَاصِّ مُخَصِّصًا مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّارِيخِ فَلَا يَصِحُّ فِيمَا إِذَا كَانَ الْعَامُّ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْخَاصِّ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِمَدْلُولِ الْخَاصِّ، لَا أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ.

وَبَيَانُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، فَهُوَ جَارٍ مَجْرَى قَوْلِهِ: اقْتُلُوا زَيْدًا الْمُشْرِكَ وَعَمْرًا الْمُشْرِكَ وَخَالِدًا، وَهَلُمَّ جَرَّا.

فَإِذَا الْخَاصُّ كَقَوْلِهِ: اقْتُلُوا زَيْدًا الْمُشْرِكَ إِذَا وَرَدَ الْعَامُّ بَعْدَهُ بِنَفْيِ الْقَتْلِ عَنِ الْجَمِيعِ فَهُوَ نَاصٌّ عَلَى زَيْدٍ، وَلَوْ قَالَ: اقْتُلُوا زَيْدًا وَلَا تَقْتُلُوا زَيْدًا كَانَ نَاسِخًا لَهُ.

الثَّانِي: أَنَّ الْخَاصَّ الْمُتَقَدِّمَ يُمْكِنُ نَسْخُهُ، وَالْعَامَّ الْوَارِدَ بَعْدَهُ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا فَكَانَ نَاسِخًا.


(١) التَّعَاوُنُ فِيهِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ التَّعَادُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>