النَّكِيرِ عَلَيْهِ.
وَإِذَا كَانَ التَّقْرِيرُ دَلِيلَ الْجَوَازِ، وَإِنْ أَمْكَنَ نَسْخُ ذَلِكَ الْحُكْمِ مُطْلَقًا أَوْ نَسْخُهُ عَنْ ذَلِكَ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ، لَكِنَّهُ بَعِيدٌ، وَاحْتِمَالُ تَخْصِيصِهِ مِنَ الْعُمُومِ أَوْلَى وَأَقْرَبُ لِمَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَعِنْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَعَقُّلُ مَعْنًى أَوْجَبَ جَوَازَ مُخَالَفَةِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ لِلْعُمُومِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ مُشَارِكًا لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى فَهُوَ مُشَارِكٌ لَهُ فِي تَخْصِيصِهِ عَنْ ذَلِكَ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَحَلِّ التَّخْصِيصِ، وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَظْهَرِ الْمَعْنَى الْجَامِعُ فَلَا.
فَإِنْ قِيلَ: التَّقْرِيرُ لَا صِيغَةَ لَهُ، فَلَا يَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَهُ صِيغَةٌ فَلَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ غَيْرُ ذَلِكَ الْوَاحِدِ مُشَارِكًا لَهُ فِي حُكْمِهِ، وَإِلَّا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ الْوَاحِدِ مُشَارِكًا لَهُ فِي حُكْمِهِ لَصَرَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَخْصِيصِهِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ دُونَ غَيْرِهِ، دَفْعًا لِمَحْذُورِ التَّلْبِيسِ عَلَى الْأُمَّةِ بِاعْتِقَادِهِمُ الْمُشَارَكَةَ لِذَلِكَ الْوَاحِدِ فِي حُكْمِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» ". (١)
قُلْنَا: وَإِنْ كَانَ التَّقْرِيرُ لَا صِيغَةَ لَهُ غَيْرَ أَنَّهُ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ فِي جَوَازِ الْفِعْلِ نَفْيًا لِلْخَطَأِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ الْعَامِّ، فَإِنَّهُ ظَنِّيٌّ مُحْتَمِلٌ لِلتَّخْصِيصِ فَكَانَ مُوجِبًا لِتَخْصِيصِهِ.
وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ وُجُوبِ الْمُشَارَكَةِ فَبَعِيدٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْوَاحِدِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فَقَوْلُهُ: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» " لَا يَكُونُ مُرْتَبِطًا بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» " إِنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً مُوهِمَةً لِمُشَارَكَةِ الْجَمَاعَةِ لِذَلِكَ الْوَاحِدِ، أَنْ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ: (حُكْمِي) عَامًّا فِي كُلِّ حُكْمٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُجَّةً عَامَّةً فَلَا تَدْلِيسَ وَلَا تَلْبِيسَ، وَبِتَقْدِيرِ مُشَارَكَةِ الْأُمَّةِ لِذَلِكَ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ يَكُونُ نَسْخًا، وَلَا يَكُونُ تَخْصِيصًا كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ.
(١) انْظُرِ التَّعْلِيقَ ص ٢٧٥ ج٢
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute