للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ يَكُونُ فِي لَفْظٍ مُرَكَّبٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} فَإِنَّ هَذِهِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ.

وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ التَّرَدُّدِ فِي عَوْدِ الضَّمِيرِ إِلَى مَا تَقَدَّمَهُ كَقَوْلِكَ: " كُلُّ مَا عَلِمَهُ الْفَقِيهُ فَهُوَ كَمَا عَلِمَهُ " فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِي (هُوَ) مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَوْدِ إِلَى الْفَقِيهِ وَإِلَى مَعْلُومِ الْفَقِيهِ، وَالْمَعْنَى يَكُونُ مُخْتَلِفًا، حَتَّى أَنَّهُ إِذَا قِيلَ: بِعَوْدِهِ إِلَى الْفَقِيهِ، كَانَ مَعْنَاهُ فِي الْفَقِيهِ لِمَعْلُومِهِ، وَإِنْ عَادَ إِلَى مَعْلُومِهِ كَانَ مَعْنَاهُ. فَمَعْلُومُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُلِمَ.

وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَرَدُّدِ اللَّفْظِ بَيْنَ جَمْعِ الْأَجْزَاءِ وَجَمْعِ الصِّفَاتِ، كَقَوْلِكَ: " الْخَمْسَةُ زَوْجٌ وَفَرْدٌ " وَالْمَعْنَى مُخْتَلِفٌ، حَتَّى أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِهِ جَمْعُ الْأَجْزَاءِ، كَانَ صَادِقًا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ جَمْعُ الصِّفَاتِ، كَانَ كَاذِبًا.

وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بَسَبَبِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} فَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ {وَالرَّاسِخُونَ} مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَطْفِ وَالِابْتِدَاءِ، وَالْمَعْنَى يَكُونُ مُخْتَلِفًا. (١) وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَرَدُّدِ الصِّفَةِ (٢) وَذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ زَيْدٌ طَبِيبًا غَيْرَ مَاهِرٍ


(١) الِاخْتِلَافُ بِالْوَقْفِ والِابْتِدَاءِ فِي الْآيَةِ فَرْعُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَادِ بِالْمُتَشَابِهِ وَبِتَأْوِيلِهِ، وَالْجَمِيعُ مِنَ اخْتِلَافِ التَّنَوُّعِ لَا التَّضَادِّ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْمُتَشَابِهِ حَقِيقَةُ اللَّهِ وَكُنْهُ صِفَاتِهِ وَكُنْهُ الرُّوحِ وَنَعِيمُ الْجَنَّةِ، إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا اخْتَصَّ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، كَانَ تَأْوِيلُهُ بِمَعْنَى مَآلِهِ وَحَقِيقَتِهِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ، وَتَكُونُ الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا اسْمِيَّةٌ.
وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمُتَشَابِهِ مَا اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ وَخَفِيَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ، كَانَ تَأْوِيلُهُ بِمَعْنَى تَفْسِيرِهِ. وَعَلَيْهِ يَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى لَفْظِ الْعِلْمِ، وَتَكُونُ الْوَاوُ عَاطِفَةً وَجُمْلَةُ (يَقُولُونَ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: (وَالرَّاسِخُونَ) وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا يَعْلَمُ الْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنَ الْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَةِ إِلَّا مَنْ أَنْزَلَهَا وَإِلَّا الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ قَائِلِينَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنَ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا. فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ تَرَدُّدٌ يُوجِبُ الْإِجْمَالَ وَيَمْنَعُ مِنَ اعْتِقَادِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ، وَالْعَمَلُ بِهِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الْإِجْمَالِ، بَلِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ قِرَاءَتَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنًى صَحِيحٌ.
(٢) مَعْنَاهُ تَرَدُّدُ اللَّفْظِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا وَخَبَرًا كَمَا فِي الْمِثَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>