وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِشَاعِرٍ قَالَ: (
كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا
) : لَوْ قَدَّمْتَ الْإِسْلَامَ عَلَى الشَّيْبِ لَأَجَزْتُكَ. وَكَانَ عُمَرُ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ.
وَأَيْضًا مَا رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَنْكَرُوا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالُوا لَهُ: لِمَ تَأْمُرُنَا بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَكَانُوا أَيْضًا مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَلَوْلَا أَنَّ (الْوَاوَ) لِلتَّرْتِيبِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، وَقَعَ بِهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ (الْوَاوُ) لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ لَوَقَعَتِ الثَّلَاثُ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا.
وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ يَسْتَدْعِي سَبَبًا، وَالتَّرْتِيبَ فِي الْوُجُودِ صَالِحٌ لَهُ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ.
أَجَابَ النَّافُونَ عَنِ النَّقْلِ: أَمَّا الْآيَةُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَفَادٌ مِنْهَا، بَلْ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى وَرَتَّبَ الرُّكُوعَ قَبْلَ السُّجُودِ وَقَالَ: ( «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ) وَلَوْ كَانَتْ (الْوَاوُ) لِلتَّرْتِيبِ لَمَا احْتَاجَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى هَذَا الْبَيَانِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( «ابْدَؤُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ) فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ سَأَلَهُ الصَّحَابَةُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَلَوْ كَانَتْ (الْوَاوُ) لِلتَّرْتِيبِ لَمَا احْتَاجُوا إِلَى ذَلِكَ السُّؤَالِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ كَانَتْ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ لَمَا احْتَاجُوا إِلَى السُّؤَالِ فَيَتَعَارَضَانِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( «ابْدَؤُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ) وَهُوَ دَلِيلُ التَّرْتِيبِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( «قُلْ: وَمَنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى» ) إِنَّمَا قَصَدَ بِهِ إِفْرَادَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوَّلًا مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِهِ لَا أَنَّ " الْوَاوَ " لِلتَّرْتِيبِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَعْصِيَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا انْفِكَاكَ لِإِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى حَتَّى يُتَصَوَّرَ فِيهِمَا التَّرْتِيبُ.