وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: ظَاهِرُ ذَلِكَ لِلْمَنْعِ مِنْ تَعْجِيلِ نَفْسِ الْقُرْآنِ، لَا بَيَانِ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْمَارِ الْمُخَالِفِ لِلْأَصْلِ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ تَعْجِيلِ الْقُرْآنِ أَيْ مِنْ تَعْجِيلِ أَدَائِهِ عَقِيبَ سَمَاعِهِ، حَتَّى لَا يَخْتَلِطَ عَلَيْهِ السَّمَاعُ بِالْأَدَاءِ، وَإِلَّا فَلَوْ أَرَادَ بِهِ الْبَيَانَ لَمَا مَنَعَهُ عَنْهُ بِالنَّهْي لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ تَعْجِيلَ الْبَيَانِ بَعْدَ الْأَدَاءِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ غَيْرَ مُنَكَّرَةٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وَلَمْ يُعَيِّنْهَا إِلَّا بَعْدَ سُؤَالِهِمْ.
وَدَلِيلُ كَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ مُعَيَّنًا أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ سَأَلُوا تَعْيِينَهَا بِقَوْلِهِمْ لَهُ: " {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} وَ {مَا لَوْنُهَا} وَلَوْ كَانَتْ مُنَكَّرَةً لَمَا احْتِيجَ إِلَى ذَلِكَ لِلْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ بِأَيِّ بَقَرَةٍ كَانَتْ.
الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى {إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ} وَ {إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ} وَ {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ} وَالضَّمِيرُ فِي هَذِهِ جَمِيعُ الْكِنَايَاتِ (١) يَجِبُ صَرْفُهُ إِلَى مَا أُمِرُوا بِهِ أَوَّلًا.
وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِأُمُورٍ مُجَدَّدَةٍ غَيْرَ مَا أُمِرُوا بِهِ أَوَّلًا، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْوَاجِبُ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ آخِرًا دُونَ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ كَانَ مُتَّصِفًا بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَلَزِمَ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَقَرَةَ الْمَأْمُورُ بِهَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ مُنَكَّرَةً مُطْلَقًا، فَلَا تَكُونُ مُحْتَاجَةً إِلَى الْبَيَانِ لِإِمْكَانِ الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ بِذَبْحِ أَيِّ بَقَرَةٍ اتُّفِقَتْ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ النِّزَاعِ.
قَوْلُهُمْ إِنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ تَعْيِينِهَا، وَلَوْ أُمِرُوا بِمُنَكَّرٍ لَمَا سَأَلُوا عَنْ تَعْيِينِهِ.
(١) فِي هَذِهِ جَمِيعُ - فِيهِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute