للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا أَوَّلًا: فِلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَيَانُ حَاصِلًا، لَفَهِمُوهُ ظَاهِرًا، وَلَمَا سَأَلُوا عَنْهُ، وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالذَّبْحِ كَانَ مُطْلَقًا، وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَلَى التَّرَاخِي عِنْدَ صَاحِبِ هَذِهِ الْحُجَّةِ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ.

وَلَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ فَتَأْخِيرُ بَيَانِهِ عَنْهُ أَيْضًا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَلَى أَصْلِهِ، لِكَوْنِهِ قَائِلًا بِجَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ، كَمَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ.

الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى " فَقَدْ عُبِدَتِ الْمَلَائِكَةُ وَالْمَسِيحُ أَفَتُرَاهُمْ يُعَذَّبُونَ " وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، بَلْ سَكَتَ إِلَى حِينِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَعْدَ حِينٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةً حَتَّى أَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ وَالْمَسِيحَ إِنَّمَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِدُخُولِهِمْ فِي عُمُومِ الْآيَةِ إِذْ لَوْ كَانَتْ (مَا) تَتَنَاوَلُ مَنْ يَعْلَمُ وَيَعْقِلُ وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُتَنَاوِلَةً لَهُمْ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِخْرَاجِ مَا لَا دُخُولَ لَهُ فِي الْآيَةِ عَنْهَا.

فَإِنْ قِيلَ: دَلِيلُ تَنَاوُلِ (مَا) لِمَنْ يَعْلَمُ وَيَعْقِلُ النَّصُّ وَالْإِطْلَاقُ وَالْمَعْنَى.

أَمَّا النَّصُّ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} .

وَأَمَّا الْإِطْلَاقُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ (مَا) قَدْ تُطْلَقُ بِمَعْنَى (الَّذِي) بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَ (الَّذِي) يَصِحُّ إِطْلَاقُهَا عَلَى مَنْ يَعْقِلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: الَّذِي جَاءَ زَيْدٌ، فَمَا كَذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ - مَا فِي دَارِي مِنَ الْعَبِيدِ أَحْرَارٌ.

وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: هُوَ أَنَّ ابْنَ الزِّبَعْرَى كَانَ مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ، وَقَدْ فَهِمَ تَنَاوُلَ (مَا) لِمَنْ يَعْقِلُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>