كَلَامٌ مُهْمَلٌ، وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ مُهْمَلٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ إِطْلَاقُ الْكَلَامِ عَلَى الْمُهْمَلِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، وَالْغَرَضُ هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ بَيَانُ الْكَلَامِ الَّذِي لَيْسَ بِمُهْمَلٍ لُغَةً.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ إِذَا كَانَتْ مُرَكَّبَةً مِنْ حَرْفَيْنِ فَصَاعِدًا كَلَامٌ، وَلَا جَرَمَ، قَالُوا فِي حَدِّهِ: هُوَ مَا انْتَظَمَ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَسْمُوعَةِ الْمُمَيَّزَةِ الْمُتَوَاضَعِ عَلَى اسْتِعْمَالِهَا الصَّادِرَةِ عَنْ مُخْتَارٍ وَاحِدٍ. وَقَصَدُوا بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ الِاحْتِرَازَ عَنِ الْحَرْفِ الْوَاحِدِ كَالزَّايِ مِنْ زَيْدٍ، وَبِالْقَيْدِ الثَّانِي الِاحْتِرَازَ عَنْ حُرُوفِ الْكِتَابَةِ، وَبِالْقَيْدِ الثَّالِثِ الِاحْتِرَازَ عَنْ أَصْوَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْبَهَائِمِ، وَالْمُهْمَلَاتِ مِنَ الْأَلْفَاظِ، وَبِالْقَيْدِ الرَّابِعِ الِاحْتِرَاز عَنِ الِاسْمِ الْوَاحِدِ إِذَا صَدَرَتْ حُرُوفُهُ كُلُّ حَرْفٍ مِنْ شَخْصٍ، فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ تُسَمَّى كَلَامًا، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِيمَا اجْتَمَعَ مِنْ كَلِمَاتٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: زَيْدٌ لَا كُلَّمَا، وَنَحْوِهِ، هَلْ هُوَ كَلَامٌ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ كَلَامٌ ; لِأَنَّ آحَادَ كَلِمَاتِهِ وُضِعَتْ لِلدَّلَالَةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسَمِّهِ كَلَامًا، وَالنِّزَاعُ فِي إِطْلَاقِ اسْمِ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَائِلٌ إِلَى الِاصْطِلَاحِ الْخَارِجِ عَنْ وَضْعِ اللُّغَةِ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ.
وَأَمَّا مَأْخَذُهُ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ اللُّغَةِ: قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُوَ نَاقِدٌ بَصِيرٌ فِي هَذِهِ الصِّنَاعَةِ: (الْكَلَامُ هُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ كَلِمَتَيْنِ أُسْنِدَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى) . فَقَوْلُهُ: (الْمُرَكَّبُ مِنْ كَلِمَتَيْنِ) احْتِرَازٌ عَنِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، وَقَوْلُهُ: (أُسْنِدَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِكَ: زَيْدٌ عَمْرٌو، وَعَنْ قَوْلِكَ: زَيْدٌ عَلِيٌّ، أَوْ زَيْدٌ فِي، أَوْ قَامَ فِي. فَإِنَّ الْمَجْمُوعَ مِنْهُمَا مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ وَلَيْسَ بِكَلَامٍ ; لِعَدَمِ إِسْنَادِ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى، وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنِ اسْمَيْنِ كَقَوْلِكَ: زَيْدٌ قَائِمٌ، أَوِ اسْمٍ وَفِعْلٍ كَقَوْلِكَ: زَيْدٌ قَامَ، وَتُسَمَّى الْأُولَى جُمْلَةً اسْمِيَّةً وَالثَّانِيَةُ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً، وَلَا يَتَرَكَّبُ الْكَلَامُ مِنَ الِاسْمِ وَالْحَرْفِ فَقَطْ، وَلَا مِنَ الْأَفْعَالِ وَحْدِهَا، وَلَا مِنَ الْحُرُوفِ، وَلَا مِنَ الْأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute