للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» ". (١) وَفَهْمُ عُمَرَ وَيَعْلَى ذَلِكَ مَعَ تَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمَا عَلَى مَا فَهِمَاهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْعَدَمِ عِنْدَ الْعَدَمِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْأُمَّةَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ شَرْطٌ لِوُجُودِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنَّ الْحَوْلَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَحَكَمُوا بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَيَاةِ وَبِانْتِفَاءِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَوْلِ، وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الشَّرْطِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ مَعَ عَدَمِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ أَحَدِهِمَا وُجُودُ الْآخَرِ، وَلَا مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُهُ شَرْطًا، وَهُوَ مُحَالٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَالْجَوَابُ: قَوْلُهُمْ إِنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهِ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُعَارِضِ.

قُلْنَا يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِذَلِكَ، حَذَرًا مِنَ التَّعَارُضِ بِتَقْدِيرِ وُجُودِ الْمُعَارِضِ.

وَمَا ذَكَرُوهُ ثَانِيًا: إِنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ (إِنْ) شَرْطٌ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ.

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِقَضِيَّةِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْخَوْفِ مَانِعٌ مِنْ ثُبُوتِ الْقَصْرِ دُونَهُ، بَلْ لَعَلَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَصْرِ، وَحَيْثُ وَرَدَ الْقَصْرُ حَالَةَ الْخَوْفِ بِقَوْلِهِ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَصْرِ حَالَةَ عَدَمِ الْخَوْفِ، فَيَبْقَى عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الصَّلَاةِ الْإِتْمَامَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْأَصْلُ فِي الصَّلَاةِ عَدَمُ الْإِتْمَامِ، وَدَلِيلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ وَزِيدَتْ فِي الْحَضَرِ» (٢) فَلَمْ يَبْقَ لِلتَّعَجُّبِ وَجْهٌ سِوَى دَلَالَةِ اشْتِرَاطِ الْخَوْفِ وَعَدَمِ الْقَصْرِ عِنْدَ عَدَمِهِ.

قُلْنَا الصَّلَاةُ الْمَشْرُوعَةُ بَدِيًّا رَكْعَتَيْنِ لَا تُسَمَّى مَقْصُورَةً، كَصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَلَا فِعْلُهَا قَصْرًا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُورَةُ اسْمٌ لِمَا جُوِّزَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ


(١) حَدِيثُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ.
(٢) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>