الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا قَالَ الْقَائِلُ: " زَيْدٌ يَأْكُلُ " لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ عَمْرًا لَا يَأْكُلُ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ مَنْ يَعْتَقِدُ دَلَالَةَ مَفْهُومِ اللَّقَبِ، أَوْ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ، الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ.
وَعَدَمُ فَهْمِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لَا يَعْتَقِدُ دَلَالَتَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ دَلَالَتِهِ فِي نَفْسِهِ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ دَلِيلًا لَمَا حَسُنَ مِنَ الْإِنْسَانِ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ زَيْدًا يَأْكُلُ، إِلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَأْكُلْ وَإِلَّا كَانَ مُخْبِرًا بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهِ، أَوْ بِمَا لَا يَأْمَنُ فِيهِ مِنَ الْكَذِبِ، وَحَيْثُ اسْتَحْسَنَ الْعُقَلَاءُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى نَفْيِ الْأَكْلِ عَنْ غَيْرِ زَيْدٍ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَنَّ غَيْرَ زَيْدٍ يَأْكُلُ، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ إِنَّمَا لَمْ يُسْتَقْبَحْ مِنْهُ ذَلِكَ لِظُهُورِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ سِوَى مَدْلُولِ صَرِيحِ لَفْظِهِ دُونَ مَفْهُومِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فِي إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَعِلْمِهِ بِوُقُوعِ الْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَاقِلِ أَنَّهُ لَا يُخْبِرُ عَنْ نَفْيِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَلَا نَفْيِ مَا عَلِمَ وُقُوعَهُ حَتَّى إِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِ لِنَفْيِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لَكَانَ مُسْتَقْبَحًا.
وَالْمُخْتَارُ فِي إِبْطَالِ مَا سَبَقَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَأَمَّا حُجَجُ الْخُصُومِ وَجَوَابُهَا فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي مَفْهُومِ التَّقْيِيدِ بِالصِّفَةِ.
وَرُبَّمَا احْتَجُّوا فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحُجَجٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ تَخَاصَمَ شَخْصَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: " أَمَّا أَنَا فَلَيْسَ لِي أُمٌّ وَلَا أُخْتٌ وَلَا امْرَأَةٌ زَانِيَةٌ " فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ نِسْبَةُ الزِّنَا مِنْهُ إِلَى زَوْجَةِ خَصْمِهِ وَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَالِكٍ بِوُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهِ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ إِنْ فُهِمَ مِنْهُ فَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ حَالِهِ لَا مِنْ دَلَالَةِ مَقَالِهِ بِدَلِيلِ مَا أَسْلَفْنَاهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَدُّ الْقَذْفِ عِنْدَنَا وَاجِبًا بِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي مَفْهُومِ الِاسْمِ الْعَامِّ الْمُشْتَقِّ كَقَوْلِهِ: " «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute