دَلِيلٌ عَلَى الْخِطَابِ الدَّالِّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ لَا أَنَّ نَفْسَ الْفِعْلِ هُوَ الدَّالُّ عَلَى الِارْتِفَاعِ.
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ بِالْإِجْمَاعِ فَفِيهِ جَوَابَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَهْمَا اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَسْوِيغِ الْخِلَافِ فِي حُكْمِ مَسْأَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَكَانَ إِجْمَاعُهُمْ قَاطِعًا فَلَا نُسَلِّمُ تَصَوُّرَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى مُنَاقَضَةِ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ أَوَّلًا لِيَصِحَّ مَا قِيلَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا مُسْتَنِدٌ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ الْمُوجِبِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ.
وَعَلَى هَذَا، فَيَكُونُ إِجْمَاعُهُمْ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ النَّسْخُ لَا أَنَّ خِطَابَهُمْ نَسْخٌ.
وَمَا وَعَدُوا بِهِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ فَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ أَيْضًا.
وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الزِّيَادَاتِ فَهِيَ غَيْرُ مُخِلَّةٍ بِصِحَّةِ الْحَدِّ، وَفَائِدَتُهَا الْمَيْزُ بَيْنَ النَّسْخِ وَالصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ مُبَالَغَةً فِي تَحْصِيلِ الْفَائِدَةِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُخْتَارُ فِي تَحْدِيدِهِ أَنْ يُقَالَ: النَّسْخُ عِبَارَةٌ عَنْ خِطَابِ الشَّارِعِ الْمَانِعِ مِنِ اسْتِمْرَارِ مَا ثَبَتَ مِنْ حُكْمِ خِطَابٍ شَرْعِيٍّ سَابِقٍ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِرَازِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى التَّقْيِيدِ بِالتَّرَاخِي، وَلَا بِقَوْلِنَا (لَوْلَاهُ لَكَانَ مُسْتَمِرًّا ثَابِتًا) لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ. (١)
(١) هَذَا تَعْرِيفٌ لِلنَّسْخِ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا النَّسْخُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ فَيَشْمَلُ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ، وَتَخْصِيصِ الْعَامِّ، وَبَيَانِ الْمُجْمَلِ، وَرَفْعِ مَا تَوَهَّمَ الْمُكَلَّفُ إِرَادَتَهُ مِنَ النُّصُوصِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ مِنْهَا - انْظُرْ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) الْآيَاتِ، فِي مَجْمُوعِ الْفَتَاوِي لِابْنِ تَيْمِيَةَ ج ١٤ وَص ٣٩٧ ج ٢٠ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوِي، وَالْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ مَسَائِلِ النَّسْخِ فِي الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ وَإِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ لِابْنِ الْقَيِّمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute