للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ جَازَ النَّسْخُ مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ لِلتَّأْبِيدِ لَمَا بَقِيَ لَنَا وُثُوقٌ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنَ الظَّوَاهِرِ اللَّفْظِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنِ اخْتِلَافِ الشَّرَائِعِ وَاتِّجَاهَ قَوْلِ الْبَاطِنِيَّةِ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا جَوَازُ نَسْخِ شَرِيعَتِكُمْ، وَلَمْ تَقُولُوا بِهِ، وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ لَوْ جَازَ رَفْعُ الْحُكْمِ بَعْدَ وُقُوعِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَفْعُهُ قَبْلَ وُجُودِهِ أَوْ بَعْدَ عَدَمِهِ، أَوْ فِي حَالِ وُجُودِهِ:

الْأَوَّلُ: مُحَالٌ لِأَنَّ رَفْعَ مَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ.

وَالثَّانِي مُحَالٌ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَعْدُومِ مُمْتَنِعٌ.

وَالثَّالِثُ: يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ حَالَةَ وُجُودِهِ مُرْتَفِعًا، وَذَلِكَ أَيْضًا مُمْتَنِعٌ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْفِعْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَقَدْ نَهَى عَنِ الْحَسَنِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَقَدْ أَمَرَ بِالْقَبِيحِ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ طَاعَةً أَوْ مَعْصِيَةً، فَإِنْ كَانَ طَاعَةً فَقَدْ نَهَى عَنِ الطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً فَقَدْ أَمَرَ بِالْمَعْصِيَةِ.

وَأَيْضًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادًا أَوْ مَكْرُوهًا، فَإِنْ كَانَ مُرَادًا فَقَدْ صَارَ بِالنَّهْيِ مَكْرُوهًا، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَقَدْ صَارَ بِالْأَمْرِ مُرَادًا.

وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ عَلَى الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ، فَلَا وَجْهَ لَهُ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} فَالْمُرَادُ بِالنَّسْخِ الْإِزَالَةُ، وَنَسْخُ الْآيَةِ بِإِزَالَتِهَا عَنِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَلَى الْوُقُوعِ الشَّرْعِيِّ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ نَاسِخَةٌ لِشَرَائِعِ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَى مَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ.

وَأَمَّا وُجُوبُ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ لَمْ يَزُلْ بِالْكُلِّيَّةِ لِجَوَازِ التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ عِنْدَ الْإِشْكَالِ وَمَعَ الْعُذْرِ، فَكَانَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا لَا نَسْخًا.

وَأَمَّا تَقْدِيمُ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا زَالَتْ لِزَوَالِ سَبَبِهَا، وَهُوَ امْتِيَازُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ لَا يَتَصَدَّقُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>