للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الذَّبْحِ لَمَا احْتَاجَ إِلَى الْفِدَاءِ وَلَا اشْتُهِرَ ذَلِكَ وَظَهَرَ، لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْآيَاتِ الْبَاهِرَاتِ، وَحَيْثُ لَمْ يَنْقُلْهُ سِوَى بَعْضِ الْخُصُومِ دَلَّ عَلَى ضَعْفِهِ.

وَعَنِ الْخَامِسِ: أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ التَّكْلِيفَ بِمَا لَا يُطَاقُ.

وَهَذَا تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ، كَيْفَ وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرُوهُ لَنُقِلَ أَيْضًا وَاشْتُهِرَ لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْعَظِيمَةِ.

هَذَا مَا فِي هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ.

وَأَمَّا وَجْهُ الضَّعْفِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِقِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ نُسِخَ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالذَّبْحِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ نُسِخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الِامْتِثَالِ.

بَلْ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الِامْتِثَالِ، وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا قَبْلَ التَّمَكُّنِ لَا بَعْدَهُ.

وَلَا سَبِيلَ إِلَى بَيَانِ أَنَّهُ نُسِخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الِامْتِثَالِ إِلَّا بَعْدَ بَيَانِ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ أَنَّ وَقْتَ الْأَمْرِ كَانَ مُضَيَّقًا لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ صَغَائِرُ الْمَعَاصِي، وَالْكُلُّ مَمْنُوعٌ عَلَى مَا عُرِفَ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ تَقْدِيمَ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ فِعْلِهَا.

وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى رَدِّ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ قَبْلَ الرَّدِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} .

وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مِنَ الْخُصُومِ وَاقِعٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَمَرَنَا بِالْمُوَاصَلَةِ فِي الصَّوْمِ سَنَةً، جَازَ أَنْ يَنْسَخَهُ عَنَّا بَعْدَ شَهْرٍ مِنْهَا، وَذَلِكَ نَسْخٌ لِلصَّوْمِ فِيمَا بَقِيَ مِنَ السَّنَةِ قَبْلَ حُضُورِ وَقْتِهِ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «أُحِلَّتْ لِي مَكَّةُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» " وَمَعَ ذَلِكَ مُنِعَ مِنَ الْقِتَالِ فِيهَا، وَهُوَ نَسْخٌ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ، وَهَذِهِ الْحُجَجُ أَيْضًا ضَعِيفَةٌ.

أَمَّا الْأُولَى: فَلِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَسْخَ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ كَانَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْوَقْتِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ: عِتَابُ اللَّهِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} الْآيَةَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ الْفِعْلِ قَدْ حَضَرَ لَمَا حَسُنَ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>