للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: أَمَّا قِصَّةُ الْإِسْرَاءِ فَهِيَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُ مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً إِلَّا أَنَّهُ يَقْتَضِي نَسْخَ حُكْمِ الْفِعْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، وَقَبْلَ تَمَكُّنِ الْمُكَلَّفِ مِنَ الْعِلْمِ بِهِ لِنَسْخِهِ قَبْلَ الْإِنْزَالِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْصُلُ مَعَهُ الثَّوَابُ بِالْعَزْمِ عَلَى الْأَدْوَاءِ وَالِاعْتِقَادِ لِوُجُوبِهِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ.

وَأَمَّا الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ زَيْدًا فِي الْغَدِ، وَيَمْنَعَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْغَدِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو.

إِمَّا أَنْ يَأْمُرَهُ مُطْلَقًا وَيُرِيدَ مِنْهُ الْفِعْلَ أَوْ بِشَرْطِ زَوَالِ الْمَنْعِ.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ: فَمَنْعُهُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَهُوَ مُحَالٌ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَالْأَمْرُ بِالشَّرْطِ مِمَّا لَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ مِنَ الْعَالِمِ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْأَوَامِرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا أَمَرَ جَمَاعَةً بِفِعْلٍ فِي الْغَدِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ بَعْضَهُمْ مِنَ الْفِعْلِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِخِطَابِهِ مَنْ عَلِمَ مَنْعَهُ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ فِي الْمَنْعِ، فَكَذَلِكَ فِي النَّسْخِ.

ثُمَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إِذَا نَهَى الْمُكَلَّفَ عَنِ الْفِعْلِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ، فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ قَدْ تَوَارَدَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُحَالٌ.

وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا.

وَعِنْدَ ذَلِكَ، فَلَا يَخْلُو الْبَارِي تَعَالَى عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ مِنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَكَذَلِكَ فِي حَالَةِ النَّهْيِ أَوْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِهِ أَصْلًا أَوْ هُوَ عَالِمٌ بِهِ فِي حَالَةِ النَّهْيِ دُونَ حَالَةِ الْأَمْرِ أَوْ فِي حَالَةِ الْأَمْرِ دُونَ حَالَةِ النَّهْيِ:

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ: فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ حَسَنًا فَقَدْ نَهَى عَنِ الْحَسَنِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا فَقَدْ أَمَرَ بِالْقَبِيحِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ، وَهُوَ قَبِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهُوَ مُحَالٌ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْجَهْلِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الثَّالِثَ أَوِ الرَّابِعَ.

كَيْفَ وَإِنَّهُ إِذَا ظَهَرَ لَهُ فِي حَالَةِ النَّهْيِ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حَالَةِ الْأَمْرِ فَهُوَ عَيْنُ الْبَدَاءِ، وَالْبَدَاءُ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>