للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى كَوْنِهِ مَجَازًا، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ التَّأْوِيلِ فِيمَا ذَكَرُوهُ مِنَ التَّعْلِيمِ فِي حِقِّ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ التَّأْوِيلُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، إِلَّا أَنَّ الِاشْتِرَاكَ (١) فِي دَلِيلِ التَّأْوِيلِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.

وَقَوْلُهُمْ: أَرَادَ بِهِ الْأَسْمَاءَ الْمَوْجُودَةَ فِي زَمَانِهِ، إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ مَوْجُودَةً فِي زَمَانِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، بَلِ الْبَارِي تَعَالَى عَلَّمَهُ كُلَّ مَا يُمْكِنُ التَّخَاطُبُ بِهِ، وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ عَمَلًا بِعُمُومِ اللَّفْظِ.

قَوْلُهُمْ: مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ مِنْ مُصْطَلَحِ مَنْ كَانَ قَبْلَ آدَمَ.

قُلْنَا: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا، إِلَّا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَمَنِ ادَّعَاهُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَبِهِ يَبْطُلُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُنْسِيهَا ; إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ النِّسْيَانِ وَبَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ.

وَعَلَى هَذَا فَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ تَأْوِيلِ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتِنَا} إِذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قِيلَ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي حَقِّ آدَم، وَقَدْ عُرِفَ جَوَابُهُ.

قَوْلُهُمْ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} أَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ فِيمَا فِي الْكِتَابِ؛ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لِكُلِّ عَاقِلٍ قَطْعًا، فَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُفِيدًا.

قَوْلُهُمْ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُعَرَّفًا لِلُغَاتِ مَنْ تَقَدَّمَ، فَقَدْ سَبَقَ جَوَابُهُ، وَبِهِ يُخَرَّجُ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} ، وَعَنْ قَوْلِهِ: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} .

قَوْلُهُمْ فِي آيَةِ الذَّمِّ: إِنَّمَا ذَمَّهُمْ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ كَوْنَ الْأَصْنَامِ آلِهَةً، فَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ إِضَافَةِ الذَّمِّ إِلَى التَّسْمِيَةِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. (٢)


(١) صَوَابُهُ: اشْتِرَاكًا.
(٢) لَيْسَ لِلْأَصْنَامِ مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْجَلَالِ وَالْكَمَالِ مَا يُوجِبُ عِبَادَتَهَا وَتَسْمِيَتَهَا آلِهَةً، فَكَانَ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ كَذِبًا وَزُورًا ; لِذَا ذَمَّهُمُ اللَّهُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ بِقَوْلِهِ: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ. . .) إِلَخْ. وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهَا مُجَرَّدُ أَسْمَاءٍ لَا حَقِيقَةَ لَهَا وَلَيْسَ لَهَا مِنَ الْعَقْلِ أَوِ النَّقْلِ سُلْطَانٌ يَصِفُهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>