للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَانَ الْإِخْبَارُ مُتَكَرِّرًا وَالْخَبَرُ عَامٌّ فِيهِ، فَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مُبَيِّنًا لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ، كَمَا فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.

فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَبَرِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَنَّ نَسْخَ الْخَبَرِ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ كَذِبًا، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: " أَهْلَكَ اللَّهُ زَيْدًا " ثُمَّ قَالَ: " مَا أَهْلَكَ اللَّهُ زَيْدًا " كَانَ كَذِبًا بِخِلَافِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا إِمْكَانَ نَسْخِ مَدْلُولِ الْخَبَرِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ مَدْلُولُهُ حُكْمًا شَرْعِيًّا تَكْلِيفًا، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ حُكْمُهُ تَكْلِيفًا كَانَ الْخَبَرُ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَالْأَمْرُ يَجُوزُ نَسْخُ حُكْمِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: " أَمَرْتُكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ وَأَوْجَبْتُ عَلَيْكُمْ " بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُفْضِي إِلَى الْكَذِبِ إِنْ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُ النَّاسِخِ عَلَى غَيْرِ مَا أُرِيدُ مِنَ الْخَبَرِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ، وَأَمَّا إِذَا قَالَ: (أَهْلَكَ اللَّهُ زَيْدًا) فَإِهْلَاكُهُ إِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْهُ النُّسَخُ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ حَتَّى يُمْكِنَ رَفْعُ بَعْضِهِ وَتَبْقِيَةُ الْبَعْضِ، بَلْ إِنَّمَا يَقَعُ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ أَخْبَرَ عَنْ عَدَمِهِ مَعَ اتِّحَادِهِ كَانَ كَذِبًا لِاتِّحَادِ الْمُثْبَتِ وَالْمَنْفِيِّ.

وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّهُمْ إِنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ إِنَّ الْخَبَرَ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ، أَنَّ صِيغَتَهُ كَصِيغَتِهِ فَهُوَ خِلَافُ الْحَسَنِ (١) وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّهُ يُفِيدُ إِيجَابَ الْفِعْلِ كَمَا فِي الْأَمْرِ، فَمُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ هُوَ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنِ اشْتِرَاكِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ عَامٍّ لَهُمَا - اتِّحَادُهُمَا.

وَغَايَتُهُ تَسْلِيمُ نَسْخِ مَدْلُولِ بَعْضِ الْأَخْبَارِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ نَسْخِ غَيْرِهِ مَعَ مَا قَدْ بَيَّنَّا.


(١) الْحَسَنُ: الصَّوَابُ الْحِسِّ بِالسِّينِ الْمُشَدَّدَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>