للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ تَبْدِيلِ الْآيَةِ مَكَانَ آيَةٍ قَالُوا: {إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} فَأَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهْمَهُمْ بِقَوْلِهِ: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّبْدِيلَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَا نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ.

الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُنْسَخُ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ.

الْخَامِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ لَا تُنْسَخُ إِلَّا بِآيَةٍ.

وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ قَالَ: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} وَالسُّنَّةُ لَيْسَتْ خَيْرًا مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا مِثْلَهُ.

الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ الَّذِي يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا وَالنَّاسِخُ قُرْآنٌ لَا سُنَّةٌ.

الثَّالِثُ: وَصْفُ الْبَدَلِ بِأَنَّهُ خَيْرٌ أَوْ مِثْلٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَصْفَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَدَلَ مِنْ جِنْسِ الْمُبْدَلِ، أَمَّا الْمَثَلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَا هُوَ خَيْرٌ ; فَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ لِغَيْرِهِ: (لَا آخُذُ مِنْكَ دِرْهَمًا إِلَّا وَآتِيكَ بِخَيْرٍ مِنْهُ) فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ بِدِرْهَمٍ خَيْرٍ مِنَ الْأَوَّلِ.

الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} دَلَّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْقُرْآنُ دُونَ غَيْرِهِ.

وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُولِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ السُّنَّةَ إِنَّمَا وَجَبَ اتِّبَاعُهَا بِالْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} ، وَقَوْلِهِ (فَاتَّبِعُوهُ) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فَرْعُ الْقُرْآنِ، وَالْفَرْعُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَصْلِهِ بِالْإِبْطَالِ وَالْإِسْقَاطِ، كَمَا لَا يُنْسَخُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِالْفَرْعِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ.

الثَّانِي: أَنَّ الْقُرْآنَ أَقْوَى مِنَ السُّنَّةِ، وَدَلِيلُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: «قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: بِمَ تَحْكُمُ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ» ، قَدَّمَهُ فِي الْعَمَلِ بِهِ عَلَى السُّنَّةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ دَلِيلُ قُوَّتِهِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ أَقْوَى مِنْ جِهَةِ لَفْظِهِ ; لِأَنَّهُ مُعْجِزٌ وَالسُّنَّةُ لَيْسَتْ مُعْجِزَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>