للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ قِيلَ فِي إِبْطَالِهِ أَيْضًا: إِنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْزَاءِ الرَّكْعَتَيْنِ بِتَقْدِيرِ انْفِرَادِهَا، وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَقَدِ ارْتَفَعَ بِالزِّيَادَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ; إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى كَوْنِ الرَّكْعَتَيْنِ مُجْزِيَةً أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ.

وَمَعْنَى الْخُرُوجِ بِهَا عَنِ الْعُهْدَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَ فِعْلِهَا شَيْءٌ آخَرُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ حُكْمًا شَرْعِيًّا لِيَكُونَ رَفْعُهُ نَسْخًا شَرْعِيًّا، بَلْ هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، وَإِنَّمَا طَرِيقُ الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْإِلْزَامِ بِاشْتِرَاطِ غَسْلِ الْعُضْوِ الزَّائِدِ، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا عَلَى الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، فَغَيْرُ لَازِمٍ لِغَيْرِهِ كَالْغَزَالِيِّ وَنَحْوِهِ مِنَ الْقَائِلِينَ بِكَوْنِ ذَلِكَ نَسْخًا فَلَا بُدَّ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ وَإِنْ قُدِّرَ لُزُومُ ذَلِكَ فَلَا يَخْفَى أَنَّ وُجُوبَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَقَدِ ارْتَفَعَ بِزِيَادَةِ الرَّكْعَةِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُغَيَّرَ إِنَّمَا هُوَ آخِرُ الصَّلَاةِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ التَّشَهُّدَ كَانَ وَاجِبًا عَقِيبَ الرَّكْعَتَيْنِ وَبِالزِّيَادَةِ صَارَ غَيْرَ وَاجِبٍ.

الْفَرْعُ الثَّالِثُ: زِيَادَةُ التَّغْرِيبِ عَلَى الْحَدِّ، وَزِيَادَةُ عِشْرِينَ جَلْدَةً عَلَى الثَّمَانِينَ لَيْسَ بِنَسْخٍ ; لِأَنَّ النَّسْخَ يَسْتَدْعِي رَفْعَ مَا ثَبَتَ لِلثَّمَانِينَ مِنَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَلَا تَحْقِيقَ لَهُ إِذِ الْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ لَهَا مِنَ الْحُكْمِ قَبْلَ الزِّيَادَةِ بَعْدَهَا.

فَإِنْ قِيلَ: بَيَانُ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الثَّمَانِينَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الثَّمَانِينَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ كَانَتْ كُلَّ الْحَدِّ الْوَاجِبِ، وَقَدْ صَارَتْ بَعْدَ الزِّيَادَةِ بَعْضَ الْحَدِّ.

الثَّانِي: أَنَّ الثَّمَانِينَ كَانَتْ مُجْزِئَةً قَبْلَ الزِّيَادَةِ وَقَدِ ارْتَفَعَ إِجْزَاؤُهَا بِالزِّيَادَةِ.

الثَّالِثُ: الثَّمَانُونَ وَحْدَهَا كَانَ يَتَعَلَّقُ بِهَا التَّفْسِيقُ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ، وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ زَالَ تَعَلُّقُ ذَلِكَ بِالثَّمَانِينَ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الثَّمَانِينَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ كَانَ يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا، وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ زَالَ هَذَا الْوُجُوبُ.

الْخَامِسُ: أَنَّ قَبْلَ الزِّيَادَةِ كَانَتِ الزِّيَادَةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ (١) وَقَدْ زَالَ هَذَا الْحُكْمُ بِإِيجَابِ الزِّيَادَةِ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الثَّمَانِينَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ كُلَّ الْوَاجِبِ إِلَّا


(١) أَنَّ قَبْلَ الزِّيَادَةِ كَانَتِ الزِّيَادَةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ: فِيهِ تَحْرِيفٌ وَلَعَلَّ الْأَصْلَ: أَنَّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ قَبْلَ الزِّيَادَةِ غَيْرَ وَاجِبَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>