فِي الْأَصْلِ مِمَّا لَا يَقُولُ بِهِ الْحَنَفِيُّ بَلِ الشَّافِعِيُّ، فَلَا يَصِحُّ مِنَ الْمُسْتَدِلِّ بِنَاءُ الْفَرْعِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ التَّقْرِيرِ لِمَأْخَذِ مَنْ هُوَ مُنْتَمٍ إِلَيْهِ أَوْ فِي مَعْرِضِ الْإِلْزَامِ لِلْخَصْمِ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُ الْوَصْفِ الْجَامِعِ مَأْخَذًا لِإِمَامِهِ؛ بِإِثْبَاتِهِ لِلْحُكْمِ عَلَى وِفْقِهِ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي لَا يَقُولُ بِهِ إِمَامُهُ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا هُوَ عِنْدَكَ عِلَّةُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَيَلْزَمُكَ الِاعْتِرَافُ بِحُكْمِهِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ مِنْهُ إِبْطَالُ الْمَعْنَى وَانْتِقَاضُهُ لِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ، وَيَلْزَمُ مِنْ إِبْطَالِ التَّعْلِيلِ بِهِ امْتِنَاعُ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهِ فِي الْأَصْلِ، فَهُوَ أَيْضًا مُمْتَنِعٌ لِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَقُولَ: الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي ثَابِتًا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْوَصْفِ بَلْ بِنَاءً عَلَى غَيْرِهِ، وَيَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِيهِ لِكَوْنِهِ عَدْلًا، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الصِّدْقُ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَأْخَذِ مَذْهَبِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ مُعَلَّلًا بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ غَيْرَ أَنَّ حَاصِلَ الْإِلْزَامِ يَرْجِعُ إِلَى إِلْزَامِ الْمُعْتَرِضِ بِالتَّخْطِئَةِ فِي الْفَرْعِ بِإِثْبَاتِ خِلَافِ حُكْمِهِ، ضَرُورَةَ تَصْوِيبِهِ فِي اعْتِقَادِ كَوْنِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ ; إِذْ لَيْسَ تَخْطِئَتُهُ فِي الْفَرْعِ ضَرُورَةَ تَصْوِيبِهِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ - أَوْلَى مِنْ تَخْطِئَتِهِ فِي تَعْلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، وَتَصْوِيبِهِ فِي حُكْمِ الْفَرْعِ.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَلَّا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ، وَالْمَعْدُولُ بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ عَلَى قِسْمَيْنِ:
الْأَوَّلُ: مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: إِمَّا مُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ أَوْ مُبْتَدَأٌ بِهِ، فَالْأَوَّلُ كَقَبُولِ شَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى - مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ الشَّهَادَةِ.
وَالثَّانِي: كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَتَقْدِيرِ نُصُبِ الزَّكَوَاتِ وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute