لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْرَكٌ سِوَى النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَالْقِيَاسُ مُتَعَذِّرٌ لِتَعَذُّرِ إِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، فَالْمُخْتَارُ بَعْدَ إِبْطَالِ مَا يُعَارِضُ بِهِ الْخَصْمُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنَ التَّرْكِيبِ، وَتَحْقِيقِ وُجُودِ مَا يَدَّعِيهِ فِي الْأَصْلِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ - إِنَّمَا هُوَ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّ الْخَصْمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا.
فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا وَظَهَرَ فِي نَظَرِهِ إِبْطَالُ الْمَدْرَكِ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ حُكْمَ الْأَصْلِ، فَلَهُ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَالْقِيَاسُ لَا يَكُونُ مُنْتَفَعًا بِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَصْمِ.
وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَتَخْطِئَةُ إِمَامِهِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى عَجْزِهِ هُوَ عَنْ تَمْشِيَةِ الْكَلَامِ مَعَ الْمُسْتَدِلِّ، وَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونُ مَا عَيَّنَهُ الْمُعْتَرِضُ هُوَ الْمَأْخَذَ فِي نَظَرِ إِمَامِهِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَأْخَذَ فِي نَظَرِ إِمَامِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَجْزِ الْمُقَلِّدِ عَنْ تَقْرِيرِهِ عَجْزُ إِمَامِهِ عَنْهُ لِكَوْنِهِ أَكْمَلَ حَالًا مِنْهُ وَأَعْرَفَ بِوَجْهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ وَتَقْرِيرِهِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَخْطِئَةِ إِمَامِ الْمُعْتَرِضِ إِمَّا فِي حُكْمِ الْأَصْلِ أَوِ الْفَرْعِ، فَلَيْسَ لِلْخَصْمِ تَخْطِئَةُ إِمَامِهِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ، وَلَيْسَ بِحَقٍّ فَإِنَّهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْخَصْمِ تَخْطِئَةُ إِمَامِهِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَدِلِّ تَخْطِئَةُ إِمَامِ الْمُعْتَرِضِ فِي الْفَرْعِ دُونَ الْأَصْلِ، وَلَا أَوْلَوِيَّةَ.
فَإِنْ قِيلَ: بَلْ تَخْطِئَتُهُ فِي الْفَرْعِ أَوْلَى لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ إِمَامِ الْمُسْتَدِلِّ وَإِمَامِ الْمُعْتَرِضِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَيُقَالُ: كَمَا أَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِي الْفَرْعِ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ فَالْخِلَافُ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَاقِعٌ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ ; إِذْ هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مُوَافَقَةُ إِمَامِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْفَرْعِ أَوْلَى مِنْ مُوَافَقَةِ الْمُخَالِفِ فِي الْأَصْلِ.
الشَّرْطُ السَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونُ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى إِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ دَالًّا عَلَى إِثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ جَعْلُ أَحَدِهِمَا أَصْلًا لِلْآخَرِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ.
الشَّرْطُ الثَّامِنُ: اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي اشْتِرَاطِ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَعْلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَجَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ - أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا خَاصًّا بِذَلِكَ الْأَصْلِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ فَهُوَ بَاطِلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute