بِالْبَحْثِ وَالسَّبْرِ، كَمَا أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، فَقَدِ اسْتَقَلَّتْ صُورَةُ الْإِلْغَاءِ بِالِاعْتِبَارِ، وَأَمْكَنْ أَنْ تَكُونَ أَصْلًا لِعِلَّتِهِ، وَتَبَيَّنَّا أَنَّ الْأَصْلَ الْأَوَّلَ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَصِيرَ إِلَى أَصْلٍ لَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي الِاعْتِبَارِ إِلَّا بِذِكْرِ صُورَةٍ أُخْرَى مُسْتَقِلَّةٍ بِالِاعْتِبَارِ يَكُونُ تَطْوِيلًا بِلَا فَائِدَةٍ.
وَإِنْ بَيَّنَ الِاسْتِقْلَالَ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَيَلْزَمَهُ مَعَ هَذَا الْمَحْذُورِ مَحْذُورٌ آخَرُ وَهُوَ الِانْتِقَالُ فِي إِثْبَاتِ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً مِنْ طَرِيقٍ إِلَى طَرِيقٍ آخَرَ، وَهُوَ شَنِيعٌ فِي مَقَامِ النَّظَرِ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا يَحْذِفُهُ مِنْ جِنْسِ مَا أَلِفْنَا مِنَ الشَّارِعِ عَدَمَ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ فِي إِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَنَحْوِهِ.
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَا يَحْذِفُهُ مِنْ جِنْسِ مَا أَلِفْنَا مِنَ الشَّارِعِ إِلْغَاءَهُ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ، فَيَجِبُ إِلْغَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ مُنَاسِبًا، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ( «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ» ) (١) فَإِنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَقْرِيرُ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَ صِفَةِ الذُّكُورَةِ وَسَرَايَةِ الْعِتْقِ غَيْرَ أَنَّا لَمَّا عَهِدْنَا مِنَ الشَّارِعِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَلْغَيْنَا صِفَةَ الذُّكُورَةِ فِي السَّرَايَةِ بِخِلَافِ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَحْكَامِ.
الطَّرِيقُ الرَّابِعُ: إِذَا قَالَ: بَحَثْتُ فِي الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مُنَاسِبَةً، وَلَا مَا يُوهِمُ الْمُنَاسَبَةَ، وَكَانَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ وَالْبَحْثِ عَدْلًا، فَالظَّاهِرُ صِدْقُهُ وَأَنَّ الْوَصْفَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ حَذْفُهُ ضَرُورَةَ كَوْنِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ قَبْلُ، وَامْتِنَاعُ اعْتِبَارِ مَا لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا.
(١) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ اسْتُعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدَ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute