للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَنَحْنُ لَا نَدَّعِي مُلَازَمَةَ الْحِكْمَةِ لِأَفْعَالِهِ مُطْلَقًا حَتَّى يَطَّرِدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَخْلُوقٍ، بَلْ إِنَّمَا نَدَّعِي ذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ الْحِكْمَةِ فِيهِ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِيمَا عَدَا أَنْوَاعِ الشُّرُورِ وَالْمَعَاصِي (١) وَلَا نَدَّعِي ذَلِكَ قَطْعًا بَلْ ظَاهِرًا.

الثَّالِثُ: وَإِنْ سَلَّمَنَا لُزُومَ الْحِكْمَةِ لِأَفْعَالِهِ مُطْلَقًا، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الصُّوَرِ قَطْعًا ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَازِمُهَا حُكْمٌ لَا يَعْلَمُهَا سِوَى الرَّبِّ تَعَالَى.

وَبِهَذَيْنِ الْجَوَّابَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يَكُونُ جَوَابُ الثَّانِيَةِ.

وَعَنِ الثَّالِثَةِ: أَنَّ وُجُودَ الْفِعْلِ وَإِنَّ قُدِّرَ تَحَقُّقُ الْحِكْمَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ، بَلْ هُوَ تَبَعٌ لِتَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ بِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْبَارِي لَا يَكُونُ مُضْطَرًّا بَلْ مُخْتَارًا.

وَعَنِ الرَّابِعَةِ: أَنَّ الْمَقْصُودَ حَادِثٌ، وَلَكِنْ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى مَقْصُودٍ آخَرَ إِنَّمَا نَدَّعِي ذَلِكَ فِيمَا هُوَ مُمْكِنٌ، وَافْتِقَارُ الْمَقْصُودِ إِلَى مَقْصُودٍ آخَرَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِإِفْضَائِهِ إِلَى التَّسَلْسُلِ الْمُمْتَنِعِ، وَإِنْ كَانَ مُفْتَقِرًا إِلَى مَقْصُودٍ فَذَلِكَ الْمَقْصُودُ هُوَ نَفْسُهُ لَا غَيْرُهُ فَلَا تُسَلْسُلُ.


(١) الْجَوَابُ الثَّانِي: أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَأَدِلَّةِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ أَوَّلَ الْفَصْلِ الثَّامِنِ دَلَّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ اللَّهِ وَأَحْكَامِ شَرْعِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحِكْمَةِ دُونَ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْوَاعِهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَأَمْرٍ وَنَهْيٍ، فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَفْعَالَ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ وَهِيَ بِاعْتِبَارِ صُدُورِهَا عِنْدَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ وَمُوجَبِ الْعَدَالَةِ، وَإِنْ تَأَلَّمَ مِنْهَا الْعِبَادُ وَكَانَتْ فِي ظَاهِرِهَا شَرًّا فَقَدْ تَكُونُ ابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَتَمْيِيزِ الطَّيِّبِ مِنَ الْخَبِيثِ، وَقَدْ تَكُونُ تَمْحِيصًا لِلذُّنُوبِ وَتَكْفِيرًا لِلسَّيِّئَاتِ، وَقَدْ تَكُونُ عُقُوبَةً وَجَزَاءً عَادِلًا عَلَى ذَنْبٍ سَابِقٍ، وَقَدْ تَكُونُ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ مِنَ الْجَوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>