للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنِ الْعَاشِرَةِ: أَنَّ الْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً فِي الْوُجُودِ عَنْ شَرْعِ الْحُكْمِ فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً بِمَعْنَى الْمُؤَثِّرِ لَا بِمَعْنَى الْبَاعِثِ. (١) وَعَنِ الْحَادِيَةِ عَشْرَةَ: أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ إِنَّمَا هُوَ حُصُولُ الْحِكْمَةِ ظَاهِرًا لَا قَطْعًا.

وَعَنِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى بَعْضِ آرَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْغَرَضِ الْخَاصِّ مِنْ شَرْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ دُونَ شَرْعِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَجْزُ ; ضَرُورَةَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُمْكِنٍ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الْحَقُّ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ شَرْعُ الْحُكْمِ غَيْرَ مُفِيدٍ مَعَ حُصُولِ الْفَائِدَةِ بِهِ، وَإِنْ قُدِّرَ إِمْكَانُ حُصُولِ الْفَائِدَةِ بِطَرِيقٍ آخَرَ.

وَعَنِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيمَا ذَكَرُوهُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُمْتَنِعَةً أَوْ جَائِزَةً.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَلَا يَلْزَمُ امْتِنَاعُهَا فِيمَا هِيَ مُمْكِنَةٌ فِيهِ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، فَلَا مَانِعَ مِنْ وُجُودِهَا وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَيْهَا.

وَهُوَ الْجَوَابُ عَنِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ.

كَيْفَ وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ الْمُمْتَنِعُ أَنْ لَوْ قِيلَ بِتَوَقُّفِ الْوُجُوبِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُكَلَّفِ لِلْوُجُوبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي شُكْرِ الْمُنَعَّمِ.

وَعَنِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: مَا هُوَ جَوَابُ الشُّبْهَتَيْنِ قَبْلَهَا.

وَعَنِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: بِمَنْعِ مَا ذَكَرُوهُ فِي رِعَايَةِ الْحِكْمَةِ بَلِ الْحِكْمَةُ إِنَّمَا تُطْلَبُ فِي فِعْلِ مَنْ لَوْ وُجِدَتِ الْحِكْمَةُ فِي فِعْلِهِ لَمَا كَانَ مُمْتَنِعًا، بَلْ وَاقِعًا فِي الْغَالِبِ.

وَعَنِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ إِنَّمَا يَلْزَمُ فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ مُرَاعَاةُ الْحِكْمَةِ فِي فِعْلِهِ وَالْبَارِي تَعَالَى لَيْسَ كَذَلِكَ (٢) عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فِي كُتُبِنَا الْكَلَامِيَّةِ.


(١) لِحِكْمَةِ الْحُكْمِ جِهَتَانِ: الْأُولَى رِعَايَتُهَا وَالْقَصْدُ إِلَى تَحْصِيلِهَا فَشُرِعَ الْحُكْمُ لِأَجْلِهَا، وَالثَّانِيَةُ تَحَقُّقُهَا فِي الْخَارِجِ ثَمَرَةً لِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ وَتَطْبِيقِهِ، وَهِيَ بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ الْأُولَى عِلْمِيَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْحُكْمِ عِلْمًا وَقَصْدًا، وَبِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الْخَارِجِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنِ الْحُكْمِ وَعَنْ تَطَّبِيقِهِ، وَقَدْ تَكُونُ مُقَارِنَةً لِتَطْبِيقِهِ، وَقَدِيمًا قِيلَ: أَوَّلُ الْفِكْرَةِ آخِرُ الْعَمَلِ.
(٢) الْحَقُّ أَنَّ مِنْ كَمَالِ اللَّهِ وُجُوبَ مُرَاعَاتِهِ الْحِكْمَةَ فِي فِعْلِهِ وَشَرْعِهِ، فَذَلِكَ مُقْتَضَى كَمَالِهِ وَمُوجَبُ عَدْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَإِنْ قِيلَ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَهُوَ سُبْحَانُهُ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ رَحْمَةً مِنْهُ بِعِبَادِهِ (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>