فَإِنْ قِيلَ: بَلِ التَّعْلِيلُ بِالْمُرَكَّبِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ تَعَدُّدِ مَدَارِكِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنِ اتِّحَادِهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إِلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ مِنَ الْحُكْمِ، فَهُوَ مُقَابَلٌ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ يَكُونُ مُنْعَكِسًا بِخِلَافِ التَّعْلِيلِ بِالْمُرَكَّبِ مِنَ الْوَصْفَيْنِ فِي كُلِّ صُورَةٍ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمُطَّرِدِ الْمُنْعَكِسِ أَوْلَى مِنَ التَّعْلِيلِ بِالْمُطَّرِدِ الَّذِي لَا يَنْعَكِسُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِ التَّعْلِيلِ بِالْمُرَكَّبِ مِنَ الْوَصْفَيْنِ فِي كُلِّ صُورَةٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَاصِرًا، وَالتَّعْلِيلُ بِالْمُتَعَدِّيَةِ أَوْلَى لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا وَالِاخْتِلَافِ فِي الْقَاصِرَةِ.
وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: مُجَرَّدُ الدَّوَرَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ لِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ وَصْفًا مُلَازِمًا لِلْعِلَّةِ وَلَيْسَ هُوَ الْعِلَّةَ، وَذَلِكَ كَالرَّائِحَةِ الْفَائِحَةِ الْمُلَازِمَةِ لِلشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى دَفْعِ ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّعَرُّضِ لِانْتِفَاءِ وَصْفِ غَيْرِهِ بِدَلَالَةِ الْبَحْثِ وَالسَّبْرِ أَوْ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الِانْتِقَالُ مِنْ طَرِيقَةِ الدَّوَرَانِ إِلَى طَرِيقَةِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، وَهُوَ كَافٍ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ.
الثَّانِي: أَنَّ الدَّوَرَانَ قَدْ وُجِدَ فِيمَا لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، كَدَوَرَانِ أَحَدِ الْمُتَلَازِمَيْنِ الْمُتَعَاكِسَيْنِ كَالْمُتَضَايِفَيْنِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا عِلَّةً لِلْآخَرِ، وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الدَّوَرَانَ كَمَا وُجِدَ فِي جَانِبِ الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْفِ فَقَدْ وُجِدَ فِي جَانِبِ الْوَصْفِ مَعَ الْحُكْمِ، وَلَيْسَ الْحُكْمُ عِلَّةً لِلْوَصْفِ.
فَإِنْ قِيلَ: نَحْنُ لَا نَدَّعِي أَنَّ مُطْلَقَ الدَّوَرَانِ دَلِيلٌ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِيَلْزَمَ مَا قِيلَ، بَلْ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ: أَنْ يَكُونَ حُدُوثُ ذَلِكَ الْأَثَرِ مُرَتَّبًا عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ الْوَصْفِ تَرَتُّبًا عَقْلِيًّا بِحَيْثُ يُصَدَّقُ قَوْلُ الْقَائِلِ: وُجِدَ هَذَا الشَّيْءُ فَحَدَثَ ذَلِكَ الْأَثَرُ، وَأَنْ لَا يَقْطَعَ بِخُرُوجِ هَذَا الْوَصْفِ عَنْ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَمُوجِبًا لِحُدُوثِ ذَلِكَ الْأَثَرِ، وَأَنْ لَا يَقْطَعَ بِوُجُودِ عِلَّةٍ أُخْرَى لِهَذَا الْحُكْمِ سِوَى هَذَا الْوَصْفِ. وَمَهْمَا وُجِدَ الدَّوَرَانُ عَلَى هَذِهِ الْقُيُودِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى الْعِلِّيَّةِ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا دُعِيَ الْإِنْسَانُ بِاسْمٍ فَغَضِبَ مِنْهُ وَإِذَا لَمْ يُدْعَ بِهِ لَمْ يَغْضَبْ، وَرَأَيْنَا ذَلِكَ مِنْهُ مِرَارًا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَإِنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ الِاسْمَ هُوَ سَبَبُ الْغَضَبِ حَتَّى أَنَّ الصِّبْيَانَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَتْبَعُونَهُ فِي الدُّرُوبِ دَاعِينَ لَهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ الْمُغْضِبِ لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute