بِهِ وَفِي الْفَرْعِ بِوُجُودِ مَا كَانَ قَدْ ظَهَرَ كَوْنُهُ بَاعِثًا عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْفَرْعِ تَابِعًا فِي حُكْمِهِ لِلْأَصْلِ اتِّحَادَ الطَّرِيقِ الْمُثْبِتِ لِلْحُكْمِ فِيهِمَا، وَإِلَّا لَمَا كَانَ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ بَلِ التَّبَعِيَّةُ مُتَحَقِّقَةٌ بِمُجَرَّدِ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِمَا عُرِفَ كَوْنُهُ بَاعِثًا عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ (١) .
وَعَنِ السَّادِسَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ عُلِمَ قَطْعًا قَصْدُهُ لِلسَّوَادِ أُعْتِقَ كُلُّ عَبْدٍ أَسْوَدَ لَهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْقَصْدِ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَنْوِيَ بِهَذَا اللَّفْظِ عِتْقَ جَمِيعِ السُّودَانِ، فَإِنَّهُ كَافٍ فِي عِتْقِ كُلِّ عَبْدٍ لَهُ أَسْوَدَ، وَغَايَتُهُ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ الْخَاصِّ، وَإِرَادَةُ الْعَامِّ وَهُوَ سَائِغٌ لُغَةً.
كَمَا حُمِلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ} عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْإِتْلَافِ الْعَامِّ، وَكَمَا حُمِلَ قَوْلُ الْقَائِلَ: " وَاللَّهِ لَا أَكَلْتُ لِفُلَانٍ خُبْزًا وَلَا شَرِبْتُ مِنْ مَائِهِ جُرْعَةً " إِذَا قَصَدَ بِهِ دَفْعَ الْمِنَّةِ عَلَى أَخْذِ الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعُرُوضِ حَتَّى إِنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ ذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكْفِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ وَالْإِرَادَةِ لِذَلِكَ غَيْرُ كَافِيَةٍ فِي الْعِتْقِ، بَلْ إِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: " وَقِيسُوا عَلَيْهِ كُلَّ أَسْوَدَ " عُتِقَ كُلُّ عَبْدٍ لَهُ أَسْوَدَ، وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ الصَّيْرَفِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَقْرَبُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنِ امْتِنَاعِ التَّعْدِيَةِ هَاهُنَا امْتِنَاعُ التَّعْدِيَةِ فِي الْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ فِي أَمْلَاكِ الْعَبِيدِ بِالزَّوَالِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنِ امْتِنَاعِ التَّعْدِيَةِ هَاهُنَا مُبَالَغَةً فِي صِيَانَةِ مِلْكِ الْعَبِيدِ، مِثْلُهُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
(١) سَبَقَ لِلْآمِدِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِشْرِينَ مِنْ مَسَائِلِ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِيمَا ثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الْأَصْلِ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ، فَكِلَاهُمَا يَقُولُ إِنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عُرِفَ بِالنَّصِّ لَا بِالْعِلَّةِ وَأَنَّ الْعِلَّةَ بَاعِثَةٌ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ وَمَقْصُودَةٌ لِلشَّارِعِ فِي بِنَاءِ حُكْمِهِ عَلَيْهَا، وَعَلَى ذَلِكَ فَالْعِلَّةُ الَّتِي بَنَى الشَّارِعُ الْحُكْمَ عَلَيْهَا فِي الْأَصْلِ هِيَ الَّتِي قَصَدَ بِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا فِي الْفَرْعِ، وَتَعْرِيفُهُ لِحُكْمِ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ تَعْرِيفٌ مُبَاشِرٌ وَتَعْرِيفُهُ لِحُكْمِ الْفَرْعِ بِالنَّصِّ بِوَسَاطَةِ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ مَحَلِّ حُكْمِ الْأَصْلِ فَاتَّحَدَ طَرِيقُ الْحُكْمَيْنِ، انْظُرْ مَا تَقَدَّمَ تَعْلِيقًا ص ١٠ ج٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute