للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ لَوْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمَارَةً تَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ; كَانَ الْحُكْمُ فِي مَعْرِفَتِهِ كَمَا فِي الْأَحْكَامِ، وَحَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَمَارَةً تَدُلُّ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا.

وَعَنِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّوَصُّلَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَصَالِحِ بِفِعْلِ الْقَائِسِ وَإِنَّمَا فِعْلُ الْقَائِسِ وَهُوَ إِثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ تَبَعٌ لِمَعْرِفَةِ الْمَصْلَحَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ (١) وَعَنِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: أَنَّهُ مَتَى غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْقَائِسِ كَوْنُ الْحُكْمِ مُعَلِّلًا وَظَهَرَتْ لَهُ عِلَّةٌ فِي نَظَرِهِ مُجَرَّدَةٌ عَنِ الْمَعَارِضِ، وَتَحَقَّقَ وُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ كَانَ لَهُ الْقِيَاسُ وَإِلَّا فَلَا.

وَعَنِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: أَنَّهُ مَهْمَا تَقَابَلَ فِي نَظَرِ الْقَائِسِ قِيَاسَانِ عَلَى التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ مَثَلًا ; فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْعِلَّتَيْنِ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِحُكْمِهَا لِذَاتِهَا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اجْتِمَاعُ الْحُكْمَيْنِ، وَعَلَى هَذَا إِنْ تَرَجَّحَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَانَ الْعَمَلُ بِهَا، وَإِنْ تَعَارَضَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ بِالْوَقْفِ إِلَى حِينِ ظُهُورِ التَّرْجِيحِ، وَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ بِتَخْيِيرٍ فِي الْعَمَلِ بِأَيِّ الْقِيَاسَيْنِ شَاءَ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.

وَعَنِ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى وَزَانِ الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ، وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى الْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ، وَمَا كَانَ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ وَالْعَلَامَةِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الظَّنُّ مِنْهُ مِنْ مَجْمُوعِ أَوْصَافٍ لَا يَسْتَقِلُّ الْبَعْضُ بِهَا (٢) ، وَذَلِكَ


(١) فِعْلُ الْقَائِسِ فِي كَلَامِ الْمُسْتَدِلِّ كَلِمَةٌ مُجْمَلَةٌ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا إِثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ فَمُسَلَّمٌ أَنَّهُ لَا يُوصِلُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَصَالِحِ، بَلْ هُوَ تَبَعٌ لَهَا كَمَا قَالَ الْآمِدِيُّ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا بَحْثُ الْمُجْتَهِدِ عَنِ الْمَنَاطِ فِي مَحَلِّ حُكْمِ الْأَصْلِ مَعَ دَلِيلِهِ، فَاجْتِهَادُهُ فِي ذَلِكَ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَصَالِحِ وَالْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا الشَّارِعُ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ وَنَقَلَ بِهَا الْمُجْتَهِدُ الْحُكْمَ مِنْهُ إِلَى مَا وُجِدَ فِيهِ مِنَ الْفُرُوعِ. .
(٢) وَكَذَا لَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ الْمَقْصُودِ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ إِنْ كَانَ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ الْمُعْتَبَرُ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ مُؤَلَّفًا مِنْ مَجْمُوعِ أَوْصَافٍ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ الْمُقْتَضِي لِلْقِصَاصِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>