للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أَرَادَ الْمُعْتَرِضُ تَصْحِيحَ تَقْسِيمِهِ، فَيَكْفِيهِ بَيَانُ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الِاحْتِمَالَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفِ بَيَانِ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِمَا بِجِهَةِ التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَعْسُرُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَا مِنْ وَجْهٍ (١) يَبِينُ التَّسَاوِي فِيهِ إِلَّا وَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَقُولَ: وَلِمَ قُلْتَ بِعَدَمِ التَّفَاوُتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؟ بَلَى لَوْ قِيلَ إِنَّهُ يُكَلَّفُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَالِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: التَّفَاوُتُ يَسْتَدْعِي تَرَجُّحَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَزِيَادَتَهُ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ؛ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَاقًّا وَكَانَ وَافِيًا بِالدَّلَالَةِ عَلَى شَرْطِ التَّقْسِيمِ.

وَلَوْ ذَكَرَ الْمُعْتَرِضُ احْتِمَالَيْنِ لَا دَلَالَةَ لِلَّفْظِ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِمَا وَأَوْرَدَ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ فِي مَسْأَلَةِ الِالْتِجَاءِ إِلَى الْحَرَمِ: وُجِدَ سَبَبُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، فَيَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ وَبَيَّنَ وُجُودَ السَّبَبِ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: مَتَى يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالِاسْتِيفَاءِ؟ إِذَا وُجِدَ الْمَانِعُ أَوْ إِذَا لَمْ يُوجَدْ؟ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ.

وَلَكِنْ لِمَ قُلْتَ إِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، وَبَيَانُ وُجُودِهِ أَنَّ الْحَرَمَ مَانِعٌ، وَبَيَّنَهُ بِطَرِيقَةٍ لَمْ يَخْلُ، (٢) إِمَّا أَنْ يُورِدَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمُسْتَدِلِّ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوْ عَلَى دَعْوَاهُ الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ الْحُكْمِ وَدَلِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ: فَهُوَ بَاطِلٌ لِعَدَمِ تَرَدُّدِ لَفْظِ السَّبَبِ بَيْنَ مَا ذُكِرَ مِنَ الِاحْتِمَالَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِبَيَانِ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الِاصْطِلَاحِ مِنْ حَطِّ مَئُونَةِ ذَلِكَ عَنِ الْمُنَاظِرِ فِي الْمَوَانِعِ وَالْمُعَارَضَاتِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَإِنْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ الدَّلَالَةَ عَلَى وُجُودِ الْمُعَارِضِ؛ فَحَاصِلُ السُّؤَالِ يَرْجِعُ إِلَى الْمُعَارَضَةِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّقْسِيمِ، وَإِذَا اتَّجَهَ سُؤَالُ التَّقْسِيمِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، فَجَوَابُهُ مِنْ جِهَةِ الْجَدَلِ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنْ يُعَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ بَعْضَ مَحَامِلِ لَفْظِهِ، وَيُبَيِّنَ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ بِإِزَائِهِ حَقِيقَةً فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، إِمَّا بِالنَّقْلِ عَنْ أَهْلِ الْوَضْعِ أَوِ الشَّارِعِ الصَّادِقِ.


(١) أَنَّ مَا مِنْ وَجْهٍ - لَعَلَّهُ أَنَّهُ مَا مِنْ وَجْهٍ. . . . إِلَخْ.
(٢) لَمْ يَخْلُ - جَوَابُ قَوْلِهِ: وَلَوْ ذَكَرَ الْمُعْتَرِضُ احْتِمَالَيْنِ. . إِلَخْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>