قال والد شيخنا: وكان سيرتهما في مدتهما حسنة إلى سنة ست وعشرين وتسعمائة، وكان الغزالي في بيروت، وجاءه الخبر بموت السلطان سليم، فركب من ساعته إلى دمشق، وحاصر قلعتها أياماً يسيرة، ثم سلمها إليه أهلها، ونفى نائبها إلى بيت المقدس، واستخدم من كان فيها من الينكجرية، ورد أولاد العرب من المقدمين، ورؤساء النوب والبارودية والجلخية والبوابين إلى مناصبهم بالقلعة، وجعل نيابتها للأمير إسماعيل بن الأكرم، وأمر الخطباء أن ينوهوا بسلطنته، ويدعون له بها على المنابر، وفرح بذلك جهلة العوام دون عقلاء الناس لما يعلمونه من قوة بأس بني عثمان، وحذراً عليه أن لا تبقى نيابة بيده بسبب بذلك فيعدمونه ويعدمون حسن سياسته، ثم توجه إلى طرابلس وحمص وحماة وحلب، وحاصر قلاعها، ولم يظفر بطائل لكنه قبض على كافل حمص وقتله، ثم دخل حماة وقد فر كافلها وقاضيها إلى حلب، فأخذ من كان معه في النهب، وقتل من كان له غرض في قتله، وأوقع الحمويين في أمر مذبح.
ولما بلغ السلطان سليمان خان ما فعله جان بردي الغزالي جهز جيشاً إليه، واشتد الخوف على أهل دمشق وأعمالها لما سمعوا بذلك، واضطربت الأحوال، واختلفت الآراء وودوا العقلاء موت الغزالي أو قبضه ليتلقوا الجيش به ليدفعوا عن أنفسهم تهمة ما فعله ويسلموا من انتهاك الحرم، وأخذ المهج، وصار الغزالي إلى تحصين ما حول القلعة، ويبني التداريب المانعة من الدخول إلى المدينة، ونصب منجنيقاً في داخل القلعة ليرمي بها الحاصرين لها، وكان الجهلاء والذين كتبهم في عسكره فرحين بذلك متدرعين بالسلاح يقولون: نكسرهم إلى أبواب الروم والعقلاء مهمومون بذلك لعلمهم بما يحدث بعده من حكام الأروام، ولا يقدرون على نصحه، واستمر الناس في الخوف، وحاروا في أمورهم، فمنهم من نقل حرب إلى القوى، ومنهم من دخل المدينة بماله وعياله، وصار الغزالي يكثر الركوب إلى داخل القلعة، ويرجع إلى دار السعادة، وضاقت عليه الأرض، وهم بالهرب، وكانت جهالة عساكره الذين جمعهم من القرى يقولون له: نحن فينا كفاية لصدهم، وصار ينادي كل يوم بالأمان والإطمئنان، وأن لا يخرج أحلأ من محلته. قال الحمصي في تاريخه: وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين منه - أي من شهر صفر - سنة سبع وعشرين تسعمائة أمر جان بردي الغزالي يخطبوا له بالسلطنة، ويلقبوه بالأشرف، فصلى بالجامع الأموي بالمقصورة، وخطب بالأشرف، ووقف على المقصورة بساطاً في اليوم المذكور. قال: وفي يوم السبت رابع عشريه جمع مشايخ الحارات بالجامع الأموي، وحلفهم أنهم معه ولا يخونوه، وإنما يكونوا على كلمة واحدة، وفي الاثنين سادس عشريه ركب هو والعساكر وأهل الحارات إلى مسطبة السلطان