من الغد بالتفتيش عليه، وشرع في ذلك من يوم السبت ثاني عشري شوال واستمر التفتيش عليه أياماً في نحو خمسة عشر مجلساً قال الشيخ الوالد: رحمه الله تعالى: وخرج عليه من كان داخلاً فيه، وراكناً إليه، وشدد عليه في الحساب، من كان يعده من الأحباب، فأتاه الخوف من جانب الأمن، ومن حيث أمل الربح جاء الغبن، ثم أنشد:
رب من ترجو به دفع الأذى ... عنك يأتيك الأذى من قبله
ريما يرجو الفتى نفع فتى ... خوفه أولى به من أمله
وبقي مسجونا بالقلعة، إلى أن توفي بها في يوم الثلاثاء، سلخ جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، ودفن بتربته التي أنشأها شمالي ضريح الشيخ أرسلان، رضي الله تعالى عنه، ورثاه جماعة منهم، الشيخ علاء الدين بن عماد الدين فقال:
إلى الله أشكو ما لقيت من البعد ... وما حل بي يوم الفراق من الوجد
نأى راحلاً عن منزلي من أحبه ... وأصبحت ولهاناً من البعد والصد
وأهون شيء ما أقاسي من الجوى ... إذا ما صفا عيش الأحبة من بعد
خليلي نوحا وانعيا في الورى فتى ... لقد كان بين الناس كالعلم الفرد
غريق الذرى قاضي القضاة الذي رقى ... إلى الغاية القصوي بالحلم والرشد
أذاب فؤادي بالفراق وهجره ... سقاني أخير العصر من أول الرعد
لقد كان أعلى الناس في المجد مطلقاً ... وأوفاهم بالقول والفعل والعهد
وكان إمام الناس شامة جلق ... جزيل العطا مبدي الندى حاتم المجد
لقد أظلم الأكوان فيه فراقه ... وصار ضياء الشمس كالفاحم الجعد
وقد كان قطب الكون والناس حوله ... نجوم وهم في طالع العز والسعد
ألا يا بروحي هل لك اليوم عودة ... فتقري سلامي جيرة العلم الفرد
إذا زمزم الحادي بذكراه في الورى ... يسابقه ركب من الدمع في خد
وصفت بمحمر من الدمع بعده ... من الرمل مبيضاً لأرعى به عهدي
وقد كان ذا عزم وحزم وهيبة ... وأولى الندى للناس من كان في المجد
فيا رب بالمختار طه محمد ... تجازي ابن فرفور بجنتك الخلد
تعامله بالغفران والعفو والرضى ... إذا ما أضا برق يجيء بني سعد
[محمد بن أحمد الغمري المصري]
محمد بن أحمد الشيخ الصالح الورع،