محمد بن محمد بن أحمد الشيخ العلامة المحدث الواعظ، شمس الدين المقدسي الشافعي، الصوفي الشهير، بابن العجيمي، أخذ عن شيخي الإسلام الكمال البرهان، وابن أبي شريف، والحافظ جلال الدين السيوطي، وشيخ الإسلام القاضي زكريا، والمسند شمس الدين السخاوي، وقال ابن طولون: كان عنده فضيلة، وأخذ الحديث عن شيخنا ناصر الدين بن زريق، وتوجه إلى الروم، وحصل له به الإقبال، وعاد وتردد إلى دمشق مراراً عديدة، ووعظ تجاه محراب الحنفية، ودرس مدة بالفصوص ثمة. انتهى.
قلت: ومحراب الحنفية هو المحراب الذي تصلي به الشافعية الآن الأولى خارج مقصورة الأموي، وذكر ابن الحنبلي أنه دخل إلى حلب، ودخل إلى دمشق، وحلب مرتين، ووعظ بهما، وكان يعتم بعمامة سوداء، واجتمع بحلب في سنة تسع وعشرين وتسعمائة بمحدثها الشيخ زين الدين بن الشماع، وقرئت عليهما ثلاثيات البخاري، ثم أجاز كل منهما للآخر قال ابن الشماع: وقد أخبر بعض من أثق به من الأخيار ممن حضر وعظه بما شاهده من غزارة حفظه، وعذوبة لفظه، ثم قال: لا غرو فهو خادم التفسير، والسنن المنتصب لنصح المسلمين، والمرغب، وأهدى سنن بل هو العلم الفرد. الذي رفع خير الأولياء، والعلماء، ونصب حالهم، ليقتدي بهم، وخفض شأن أهل البطالة من الصوفية الجهلة وحذر من بدعهم، واتباع طريقهم. انتهى.
وذكر ابن الحنبلي أنه كان يعظ بصحن الجامع بحلب شرقيته تارة، وبغربيته أخرى، وإذا حضر مجلس وعظه يأتي بين علمين يوضعان له آخراً على جنب كرسيه، وكان للناس إقبال عليه، وميل زائد إليه، وكان الشيخ أبو يزيد الحيشي يعظ على أسلوبه غير أن الناس كانوا لا يقبلون عليك كإقبالهم على المقدسي، فاستنهض جماعة لمنعه من الوعظ، وذكر عنه أنه يلحن فحضروا لسماعه، فبلغ الشيخ شمس الدين المقدسي أمرهم، فلم يحضر ذلك اليوم، ثم تلاشى أمره قال ابن الحنبلي: وقد بلغني أنه توجه في آخر أمره إلى الباب العالي السليماني، فأعطي نظر بيت المقدس، ومات به سنة ثمان أو تسع وثلاثين وتسعمائة، وفي تاريخ ابن طولون أنه صلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة تاسع عشر شوال سنة ثمان وثلاثين، وأنه توفي ببيت المقدس يوم السبت قبله.