صاحب الشقائق عن نفسه أنه شكى إليه النسيان فدعا له بزوال النسيان وقوة الحفظ، وأنه رأى أثر ذلك، وكان مع ذلك حلو المحاضرة حافظاً لنوادر الأخبار، وعجائب المسائل كريم الأخلاق متواضعاً خاشعاً حج في سنة ثلاثين وتسعمائة، ورجع على الطريق المصري، ثم دخل إلى دمشق في أوائل سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، وزار المحيوي ابن العربي، ونزل في بيت ابن الكاتب في محلة مأذنة الشحم، وتردد إليه الأفاضل، ورفعت إليه عدة أسئلة، فكتب على بعضها أجوبة عجيبة وعزا النقول فيها باختصار إلى أهله كما ذكر ذلك ابن طولون، وذكر أنه اجتمع به هو والقاضي نجم الدين الزهيري قال فرأيناه ذا شيبة نيرة كبيرة وتواضع وعلم، ومعه كتب عظيمة وسأله القاضي نجم الدين المشار إليه في الإقامة بدمشق مدة فقال: خلفي عيال وقد توفي رفيقي في الإفتاء منلا علي، وانفردت بالإفتاء وقد أرسل السلطان يستعجلني انتهى، وذكر في الشقائق أنه توفي سنة ست وخمسين وتسعمائة رحمه الله.
[عبد اللطيف بن أبي كثير]
عبد اللطيف بن سليمان الشيخ الفاضل العلامة زين الدين بن علم الدين بن أبي كثير، المكي قدم دمشق، وأقام بها مدة، وقرأ الشفاء على الشيخ شمس الدين ابن طولون الصالحي، في مجلسين في رجب سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، ثم سافر إلى السلطان سليمان حين كان ببغداد، فولاه قضاء مكة عن البرهان بن ظهيرة وأضيف إليه قضاء جده، ونظر الحرم الشريف، ثم رجع إلى دمشق فدخلها يوم الأربعاء سابع عشري رمضان سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، وصار بينه وبين شيخ الإسلام الوالد صحبة ومودة، وكان له شعر حسن منه الموشح المشهور في القهوة: