عيسى باشا بن إبراهيم باشا الرومي الحنفي أمير أمراء دمشق، كان له أولاً اشتغال في العلم، وكان مدرساً بمدرسة الوزير داود باشا بالقسطنطينية، ثم صار مدرساً بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، ثم صار موقعاً بالديوان السلطاني، ثم ولي الإمارة في بعض البلاد، ثم ولي إمارة حلب، فأحسن فيها السيرة، ثم إمارة دمشق وعزل منها، ثم أعيد إليها، ورسخ فيها، وكان عالماً بعدة من العلوم، ولم يترك المطالعة أيام الإمارة، وكان له حسن أدب، ولطف معاشرة إلا أنه كان إذا غضب اشتد غضبه حتى يخمش يديه ويدميهما، وهو لا يحس بذلك، وذكر والد شيخنا أنه أرسل حين كان بدمشق إلى أهل القرى مراسيم أن لا يطعموا الصوباشي، ولا القاضي، ولا صاحب التيمار شيئاً، ولا يعلقوا على دوابهم، ولا يعطوا شعير.... واستمر ذلك إلى آخر توليته، وعاشت أهل القرى في زمن ولايته عيشة طيبة، وكان في زمن إمارته بدمشق وغيرها، مكرماً لأهل العلم، ومشايخ الصوفية، ولبس الخرقة القادرية من الشيخ حسين الكيلاني حين قدم دمشق، وكان له مزيد اعتقاد في الشيخ عمر الإسكاف العقيبي خليفة الشيخ علوان، وكان يشكو إليه الخواطر، ويحضر إلى زاويته ليلاً، وكان يخاطبه الشيخ عمر: يا عيسى، وذكر لي بعض المعمرين أن سبب اعتقاده في الشيخ عمر أنه بعث إليه بمال فلم يقبله. ورده عليه، وقال: إني في غنية، فلما رجع إليه رسوله بالمال ضاعفه أضعافاً، ثم بعث به إلى الشيخ عمر، وسأل فضله في قبوله، وصرفه على الفقراء، فرده ثانياً عليه إشارة أنه إذا جاء الفقراء إليه أمرهم بالخروج من الدنيا، فكيف يدخلهم فيها. فكان هذا سبب اعتقاده في الشيخ عمر، وتردده إليه، وعرض خواطره عليه، وكان وفاته بدمشق في يوم الأحد تاسع صفر سنة خمسين وتسعمائة، وأوصى أن يلقن بعد موته، فلقنه الشيخ أبو الفتح المالكي، وأوصى أن يسحب على الأرض قبل الدفن إلى قبره تعزيراً لنفسه على عادة الفقراء العمرية في حال حياتهم في تعزير أنفسهم، فحمل سريره إلى الصالحية، فلما قرب من قبره سحب على الأرض قليلاً تنفيذا لوصيته. قال ابن طولون: ودفن في حوش الشيخ محيي الدين بن العربي عند شباكه الشرقي بوصية منه مع أن الشائع عنه عدم اعتقاده.
[عيسى المعروف بسعدي جليي]
عيسى بن أمير خان الأمير الفاضل، والهمام الكامل، المولى سعد الدين، المعروف بسعدي جلبي أحد صدور الروم ومواليها