منصور بن عبد الرحمن، الشيخ العلامة الصالح الأديب زين الدين الدمشقي، الحريري، الشافعي، الشهير بخطيب السقيفة لأنه كان خطيباً بجامع السقيفة خارج باب توما سنين كثيرة، وكان خادم ضريح الشيخ أرسلان مدة طويلة. كان له يد طولى في علوم كثيرة كالتفسير والعربية، وكان صوفي المشرب أرسلاني الطريقة. أخذ عن جماعة منهم شيخ الإسلام الوالد، وله أرجوزة في حفظ الصحة، ورسالة سماها برسالة النصيحة، في الطريقة الصحيحة، وذكر ابن الحنبلي في تاريخه، وقال: تعانى الأدب، ونظم ونثر، وألف مقامه حسنة غزلية سماها لوعة الشاكي، ودمعة الباكي. وشاع ذكره بحل الزايرجة للسبتي، واتصل بسبب ذلك بالسلطان أبي يزيد خان ابن السلطان سليمان، فأكرم مثواه، وبلغه مناه، ثم عاد إلى وطنه ومأواه. ثم رحل منه إلى حلب سنة خمس وستين وتسعمائة، فجاور بالمدرسة الشرقية، وأسفر عن تأليف في التصريف أتهم فيه أنه لغيره، أو منقول فيه كلام غيره فحسنه. قال: وهرع إليه أفراد من أوباش عوام الصوفية من صوفية العوام، وأضافه من الناس أقوام. ثم شاع عنه أكل الكيف والتهاون في بعض الأمور الدينية. ثم ذكر كلاماً يقتضي الطعن عليه، وإضافة أمور غير مرضية إليه. وكذلك عادة ابن الحنبلي في هذا التاريخ بأدبي شبهة يهتك من المترجم ستراً، ولا يكاد يقيم لمن يحتمل حاله التأويل عذراً. والذي عرفناه من أخبار أخيار الدمشقيين أن الشيخ منصور كان من عباد الله الصالحين. ومن كراماته ما حدثنا به شيخنا الشيخ محمد بن أبي بكر اليتيم العارف بالله تعالى. قال: كنت يوماً عند الشيخ منصور، وكان الشيخ جالساً على إحدى الصفتين اللتين في باب جامع السقيفة، وهي القبلية، فجلست في مقابلته على الصفة الأخرى الشمالية، فجاءته بنت صغيرة بعثها إليه أهل بيته، فقالت: يا سيدي يريدون بطيخاً أصفر. قال: وكان البطيخ الأصفر يومئذ قد فرغ من دمشق. فقال: نرسل الساعة إن شاء الله تعالى، فتعجبت من كلام الشيخ، وقلت: كيف؟ قال: نرسل ولا بطيخ بهذا البلد. قال: ثم أقبل على كلامه، فبينا نحن كذلك إذا بإنسان أقبل من الغوطة، فسلم على الشيخ، ومعه دابة عليها خرج، فأخرج من كل عين منه بطيخة من أحسن البطيخ، وأكبره، فقال الشيخ: هذه نرسلها إلى البيت، وهذه نأكلها هنا. ومن شعر الشيخ منصور:
يا صاحبي اهجرا جنح الدجى الوسنا ... لتخبرا في الورى عن بهجة وسنا
خذا من الشرع ميزاناً لفعلكما ... ولا تميلا إلى مستقبح وزنا